ويصف لنا التمجرونى بتفصيل كبير رحلته عبر البحر الأبيض المتوسط وما أحدثته فى نفسه من أثر وكانت هذه أول مرة يعبر فيها البحر ومن ثم فقد أحدث البحر تأثيرا كبيرا عليه ، وهو يرجع إلى الكلام على ذلك فى مواضع عديدة من كتابه واصفا الهلع الذى استولى عليه من تقاذف الأمواج للسفينة والمخاطر التى تعرض لها أكثر من مرة. وهذه الاستطرادات الأدبية بما يصحبها من عدد كبير من القصائد بعضها له وبعضها لشعراء غيره تشغل جزءا من كتابه غير يسير. وقد عرّفته الرحلات البحرية بالبوصلة (Compass) «بيت الإبرة» وبالخارطات الجغرافيه ، وهو يقول فى صدد هذا «والمصور الجغرافى للبحر مرسوم على جلد بينت عليه أسماء جميع المدن الساحلية والجزر ، وهو يعين اتجاهات الرياح المختلفة كما يبين المسافات التى قطعتها السفينة وما ستقطعه بالأميال. وهم يسمونها القمباص (١٦٨)». والسهو الأخير الذى وقع فيه التمجروتى يبين بصورة جلية كم كان البحر والمصطلحات البحرية أمرا غريبا على مؤلفنا.
وهو يقدم وصفا مفصلا لاستنبول (١٦٩) سواء حين الكلام على مقابلته للسلطان أو فى وصفه لخطط المدينة التى يولى اهتماما خاصا فيما بينها لجامع أياصوفيا ومساجد أخرى أو عند حديثه على التجارة والحرف وحياة أهل المدينة. كما يبدى اهتماما خاصا لما أبصره من انتعاش العلوم الإسلامية بها ويعترف بأنها تقف على مستو واحد مع البلاد العربية ؛ وقد اجتذبت أنظاره بصورة خاصة كمية المخطوطات الهائلة سواء الموجودة بالمساجد أو بالأسواق والتى كانت تجد طريقها إلى استنبول من جميع البلدان بحيث كان بوسع أى قارئ أن يحصل على المراجع فى جميع فروع العلوم (١٧٠).
وفى عودته إلى وطنه أخذ التمجروتى ننمس الطريق الذى جاء به إلى استنبول معتمدا فى وصفه للمدن الكبرى مثل طرابلس وسوسه إلخ (١٧١) على المؤلفين السابقين له ؛ وهو يتحدث فى القسم الأخير من كتابه عن استقبال السلطان لهم بفاس مع وصف مفصل لمراسيم البلاط المراكشى. وفى الخاتمة يوجد عدد من قصائد المؤلف يرتبط بعضها بمناسبات لا علاقة لها بالرحلة. وقد توفى التمكروتى بعد هذا بقليل بمراكش وذلك فى عام ١٠٠٣ ه ـ ١٥٩٤ ـ ١٥٩٥ (١٧٢) ؛ وكان كتابه معروفا جيدا بوطنه ، وفى بداية القرن الثامن عشر أدخل المؤرخ الوفرانى (توفى حوالى عام ١١٥١ ه ـ ١٧٣٨) وصفه لمراكش فى مصنفه التاريخى المعروف عن سلاطنة السعديين (١٧٣). هذا وقد استمر التأليف التاريخى (historiography) منتعشا بالمغرب لمدة أطول مما هو عليه الحال فى البلاد العربية الأخرى ، كما وأن نمط الرحلة التقليدى بقى حيا إلى القرن التاسع عشر.
وإلى العصر الذى عاش فيه التمجروتى ينتسب مصنف آخر لا يسعنا إلا أن نجعله خاتمة لهذا الفصل وإن كان فى واقع الأمر غير عربى لأنه مدون باللغة الإسبانية ولكن بحروف عربية. هذا المصنف يمثل نموذجا لما يعرف بأدب الألخميادو (١) Aljamiado أى أدب الموريسيكيين Moriscos وهم العرب المتنصرون الذين تخلفوا باسبانيا عقب سقوط غرناطة فى عام ١٤٩٢ ومغادرة المسلمين لشبه الجزيرة الايبرية نهائيا.
__________________
(*) تحريف أسبانى للفظ العربى «الأعجمية». (المترجم)