وتعظيمه له حتى قارنه بسلاطنة آل عثمان وفضله عليهم أحيانا. ورغما من ذلك فإن تمجيده لسلطانه قد ساق إلى إيراد تفاصيل قيمة عن بلاد مراكش فى أواخر القرن السادس عشر (١٦٢) وعن استقبالات ملوك مراكش ومواكبهم واستعراض الجند وعن الدوائر الأدبية بالبلاط ؛ بل إن الرحلة نفسها لا تخلو من معطيات واقعية قيمة خاصة إذا أخذنا فى حسابنا أنها كبقية الرحلات المشابهة لها لم يكن الغرض منها وصف تحركاته بل وضع مصنف أدبى قبل كل شىء. ويحفل الكتاب بعدد من القصائد للمؤلف يتعلق بعضها بموضوع الرحلة والبعض الآخر يمدح فيه شخصيات مختلفة من بينها صديقه الشاعر الفشتالى. وإلى جانب هذا فالكتاب لا يخلو من شذور عديدة نقلها عن مؤلفين آخرين واستطرادات مختلفة ، مثال ذلك ما نقله من أحد المؤرخين فى فتح إفريقيا وعن دولة الأغالبة ، أو ذلك الفصل الطويل ذو الطابع الأخروى (eschatological) الذى يورد فيه بصدد الكلام على مدينة المهدية عددا من الأحاديث فى المهدى المنتظر (١٦٣). أما فى صلب الرحلة نفسها فتحتل مكانة خاصة «الزيارات» العديدة إلى قبور الأولياء والصالحين المنتثرة على طول طريقه ، وزيارة العلماء ومدعى الصلاح (sanctimonious) ؛ وهو يغتنم هذه الفرصة كما فعل السابقون له فيستطرد فى الكلام على سير حياتهم. والتمجروتى فى وصفه للمواضع الجغرافية كثيرا ما يلجأ إلى نقل كلام المؤلفين السابقين (١٦٤) خاصة الأندلسيين ، ويبدو هذا بصورة جلية عندما يقف للكلام على المدن الكبرى المأهولة. وأقرب المؤلفين إلى نفسه ثلاثة هم ابن عبد ربه (من القرنين التاسع والعاشر) والبكرى (من القرن الحادى عشر) وأبو البقاء البلوى (من القرن الخامس عشر) (١٦٥) ؛ وهو ينقل عنهم كما فعل الجغرافيون قبله دون أن يعنى بالتتابع الزمنى أو يشير إلى أن معلوماتهم تنتمى إلى عصر سابق للعصر الذى يعالج الكلام عليه.
والتمجروتى لا يتعرض لوصف طريق رحلته داخل مراكش ، ولا ريب أنه قصد بذلك عدم تكرار أشياء مألوفة لبنى وطنه (١٦٦). وقد خرج التمجروتى من فاس متجها إلى تطوان حيث بقيت السفارة لمدة ثلاثة أشهر فى انتظار وصول سفينة من الجزائر. ثم أبحروا على طول الساحل الإفريقى مارين فى طريقهم على وهران وتنس والجزائر وبجايه وبون وبنزرت وتونس وسوسه ومنستير والمهدية وصفاقس وجزيرة جربه إلى أن بلغوا طرابلس. والمؤلف يفصل القول فى وصف المراكز المأهولة كتونس وبجايه ويمكن أخذ فكرة عن مدى استعانته بالمؤلفين السابقين له حين نقرأ وصفه لتونس فهو ينقل عن ابن عبد ربه والبلوى ما يقرب من خمس وعشرين صفحة. وابتداء من طرابلس تظهر شخصية المؤلف بوضوح فى القصة (١٦٧) لأنه أعوزته المصادر المكتوبة فاضطر إلى الاعتماد على نفسه وهو أمر لم يخل من الفائدة بالنسبة للكتاب.
وقد اضطر التمجروتى وصحبه إلى البقاء بطرابلس لمدة شهر واثنى عشر يوما قبل أن يغادروها إلى استنبول مع الأسطول العتمانى الذى كان قد انتهى من إخماد ثورة نشبت بطرابلس ضد سلطان العثمانيين.