وقد تم العثور على مخطوطة هذا الأثر ضمن مجموعة من المصنفات العربية الألخميادوية كشف عنها فى عام ١٨٨٤ مسورة داخل جدار منزل عتيق بمدينة المناسدAlmonasid ، وأغلب الظن أنه قد أخفاها أحد الموريسكيين عندما اضطروا إلى مغادرة ديارهم فقبعت محفوظة حوالى ثلاثة قرون حتى أصبحت بالتالى كنزا علميا لا يقدر.
ومن بين هذه المصنفات الألخميادوية تحتل مكانة خاصة بالنسبة لنا «قصيدة» فى وصف الحج إلى مكة بعنوان Las Coplas de Alichonte de Puey Monzon («قصيدة الحاج القادم من بوى منسون». ورغما من جهلنا بشخص مؤلفها إلا أن موضع إقامته الذى بدأ منه رحلته معروف بوجه التحديد وهو محلة صغيرة على بعد ستة عشر كيلومترا إلى الجنوب من مدينة منسون الأرغونية فى وادى نهر سنكاSinka ، وكانت هذه المحلة تسمى قديما بوديوم مونتسونى Podium Montsoni ولكنها عرفت فيما بعد باسم بوييو دى موروس Pueyo de Moros ثم أخذت اسم بوييودى سانتاكروزPueyo de Santa Cruz ؛ وكان جميع سكانها من الموريسكيين ومن ثم تعرضت لاضطهادات شديدة فى عام ١٥٩١. وإلى عهد قريب من هذه الفترة ، أى نهاية القرن السادس عشر أو بداية القرن الذى يليه ، ترتفع رحلة الشاعر المجهول التى تقف شاهدا على ما أبداه الموريسكيون من صلابة فى تمسكهم بعقيدتهم الإسلامية حتى إلى ما بعد مائة عام من سقوط غرناطة وذلك بالرغم مما تعرضوا له من ألوان الاضطهاد والتعذيب.
خرج مؤلفنا من أراغون إلى بلنسية وأخذ من هناك سفينة لأحد البنادقة وجهتها تونس ؛ وقد وقفت بهم السفينة على موانى تونس الأخرى وجزيرة جربه حتى بلغت الإسكندرية بعد أن تعرضت لأكثر من عاصفة قاسية. وفى القاهرة انضم المؤلف إلى قافلة الحج فأدى فريضة الحج بطريق البر ولكنه لم يوفق أثناء عودته فى تحقيق حلمه بزيارة طور سينا والقدس ولو أنه لا ينسى أن يفرد لهما بعض الأبيات فى قصيدته معتمدا على المعلومات التى سمعها عن الآخرين ؛ أما عن بقية الطريق إلى أسبانيا فيلتزم الصمت.
هذه القصيدة الوصفية الفريدة فى نوعها تضم تسعة وسبعين مقطعا فى ثمانيات (octaves) ؛ وإذا كانت بحسب رأى المتخصصين لا تكشف عن ميزات أدبية ذات بال إلا أنها على أية حال مفعمة بعاطفة صادقة ، وتقدم مادة طريفة قيمة عن ذلك الوسط الغريب الذى عاش فيه المؤلف. وقد لاحظ بعض البحاثة تأثير المسيحية فى بعض زوايا القصيدة فمثلا يوم القيامة قد عرض فى صورة شعرية لا يقبلها أهل الورع من المسلمين. والقصيدة بأجمعها سهلة الفهم ويرتفع أسلوبها أحيانا إلى درجة عالية من الحماس والانفعال. أما الوصف فيتميز فى معظم الأحوال بالحيوية ؛ فهى فى مجموعها أنموذج جيد لأدب الموريسكيين.أما بالنسبة لنا فتكتسب أهمية خاصة نقطة معينة فيها وهى أن المؤلف قد زود القصيدة بتعداد نثرى للبلاد الإسلامية موزعة بحسب غلبة كل مذهب من المذاهب الإسلامية الأربعة على سكانها ؛ وبهذا نجد أنفسنا أمام ثبت كامل لبلاد الإسلام كما عرفها آخر ممثلى الحضارة العربية فى أسبانيا قرب بداية القرن السابع عشر ؛ ومما يبعث على الأسف أن القائمة قد حرفتها أيدى النساخ تحريفا كبيرا يجعلها تحتاج إلى بحث خاص مستقل.