الفصل السابع
المدرسة الكلاسيكية لجغرافيى القرن العاشر
لعل الاهتمام الواسع بالموضوعات الجغرافية فى القرن العاشر يتضح بصورة أكثر جلاء من سلسلة المصنفات التى تعكس طراز «المسالك والممالك». وهذا النمط من المصنفات الجغرافية يرجع فى الأصل إلى وصف للعالم الإسلامى وضعه رجل أصله من بلخ وأخذه عنه وأضاف إليه عالم من ولاية فارس بإيران ؛ وعلى هذا الأخير اعتمد رحالة أصله من بغداد ولكنه عاش طويلا فى شمال أفريقيا (١) فصححه واستدرك عليه. وترتبط حلقات هذه السلسلة ببعضها البعض ارتباطا وثيقا ، ويندرج فيها من ناحية أو أخرى عدد من المصنفات المماثلة ؛ وهى لا تنفصل عن سلسلة الخارطات المرتبطة بها ابتداء من أول أثر معروف لنا وتخضع لنظام دقيق لم تجر فيه يد التبديل. ومن الطبيعى أن يكون تأثير هذه المجموعة الأصيلة كبيرا جدا ؛ ويوجد مبرر كاف لأن يطلق على ممثليها الذين يرتبطون فيما بينهم ارتباطا وثيقا اسم «المدرسة الكلاسيكية» للجغرافيا الإسلامية. كما يستحق أن يطلق على تلك السلسلة من الخارطات التى تستند عليها أساسا هذه المصنفات اسم «أطلس الإسلام» الذى يمثل أوج ما بلغته الكارتوغرافياCartography (فن رسم الخارطات الجغرافية) عند العرب (٢).
ولا تزال غير واضحة المعالم إلى الآن فى جميع تفاصيلها علاقة الحلقات الأساسية الثلاث ببعضها البعض ، على الرغم من أن دراستها قد سارت قدما إلى الآونة الأخيرة. وفى بداية السنوات السبعينات من القرن الماضى كتب دى خويه يقول «لعله لم يعرف خلط على الإطلاق أشد من الخلط الذى يرتبط بأسماء الجغرافيين العرب الثلاثة : أبى زيد البلخى والإصطخرى وابن حوقل» (٣). ومن الطبيعى أن يرجع الفضل الأكبر فى بدء دراسة هذه المسألة إلى دى خويه نفسه ، فهو الذى بطبعه للكتابين المعروفين لنا من هذه المجموعة ، وذلك اعتمادا على المخطوطات المعروفة لعصره ، بدأ السلسلة المشهورة «مكتبة الجغرافيين العرب» Bibliotheca Geographorum Arabicorum ؛ كما وأنه حاول فى بحث خاص له أن يلقى ضوءا على طبيعة العلاقة بين المؤلفين الثلاثة. وقد اتسعت المادة دون انقطاع خلال السبعين عاما التى انقضت منذ ظهور ذلك البحث وبرز فى الآونة الأخيرة جانب منهجى هام لم يكن قد وضح تماما حينما نشر دى خويه سلسلته تلك ، ذلك هو وجوب دراسة المتن والخارطات جنبا إلى جنب عند مؤلفى هذه السلسلة دون أن يفصل بينهما فاصل لأن المؤلفين أنفسهم لم يفصلوا بين الاثنين : وقد أبدى نشاطا