لأغراض سياسية ولو أنه تعوزنا الوقائع لإثبات ذلك. وبعض هذه السفارات تردد صداه فى الأدب خلال قرون متتالية حتى القرن التاسع عشر فعرف بهذا نمط الرحلة انتعاشا كبيرا وظهر إلى جانب وصف الحج ضرب جديد من الرحلة إلى عاصمة «سلطان الأرضين وخاقان البحرين».
ومن المؤلفات المعروفة لنا من هذا الضرب الأخير مصنف التمجروتى الذى يرجع إلى نهاية القرن السادس عشر ويحمل عنوانا طنانا هو «النفحة المسكية فى السفارة التركية». ومعلوماتنا عن المؤلف نزرة (١٥٢) فقد ولد أبو الحسن على بن محمد التمجروتى (١) حوالى عام ٩٦٧ ه ـ ١٥٦٠ (١٥٣) بقرية نمجروت الصغيرة من أعمال وادى درعه بجنوبى مراكش (١٥٤) ونال حظه من التعليم المعهود لذلك العصر ثم التحق على ما يبدو كاتبا ببلاد الشريف أحمد المنصور السعدى (٩٨٦ ه ـ ١٠١٢ ه ـ ١٥٧٨ ـ ١٦٠٣) بفاس. ونظرا لأن الشريف اعتلى العرش بمعاونة الأتراك فقد دخل فى مغامرات دبلوماسية واسعة النطاق حاول أن يقحم فيها بعض دول أوروبا الغربية ؛ وهو وإن لم يخضع خضوعا رسميا للأتراك إلا أنه ارتبط معهم بعلاقات وثيقة حتى اتخذت السفارات بين الجانبين صورة منتظمة. وإحدى تلك السفارات بعث بها المنصور فى عام ٩٩٨ ه ـ ١٠٠٠ ه ـ ١٥٨٩ ـ ١٥٩١ إلى السلطان مراد الثالث (٩٨٢ ه ـ ١٠٠٣ ه ـ ١٥٧٤ ـ ١٥٩٥) ، وكان على رأسها التمجروتى (١٥٥) الذى ضم إليه الشريف أحد كتاب الدولة وهو الشاعر الفشتالى (توفى فى عام ١٠٢١ ه ـ ١٦١٢) (١٥٦) الذى كثيرا ما نوه به التمجروتى فى وصف رحلته هذه بضروب الإستحسان والتمجيد لتفوقه فى فنون الأدب. واختيار التمجروتى لرئاسة هذه السفارة لم يحدث اعتباطا فقد ذهب أخوه من قبله إلى استنبول (١٥٧) فى مهمة مماثلة على ما يبدو.
والكتاب لا يزال معروفا إلى الآن فى ترجمته الفرنسية التى عملها على أساس مخطوطة واحدة (١٥٨) هنرى دى كاسترى Henri de Castries وظهرت عقب وفاته التى حدثت فى عام ١٩٢٧ ؛ وكان على معرفة جيدة بهذا العصر وهذه الموضوعات. ويجب القول بصراحة أن رأيه عن المؤلف يتسم بالتعسف الشديد فهو يقول «فالرحلة فى مجموعها ليست سوى سرقة على نطاق واسع مع إضافة مئات من الأبيات الشعرية لا يربطها فى أغلب الأحيان أى رباط بمحتويات الكتاب» (١٥٩) «وهو لا يجهد فى التعريف بخط سير الرحلة بقدر ما يحاول إظهار علمه ومعرفته» (١٦٠). وجميع هذه العيوب والمناقص التى يشير إليها دى كاسترى موجودة بالطبع لدى التمجروتى كما وجدت لدى غيره من أدباء «الرحلة» فى عصر التدهور ؛ غير أنه لا يمكن موافقته فى أن قيمة الرحلة إنما تقتصر على هذا وحده. وتشير قرائن الأحوال إلى أن ثمة تقريرا كان من المفروض أن يرفعه المؤلف إلى الشريف عن هذه الرحلة (١٦١) ، لهذا فلا مناص من أن تجد قصائد المديح مكانا لها فى وصف الرحلة وهو يعبر فى هذه القصائد عن شكره وامتنانه لولى نعمته
__________________
(*) النسبة إلى تمجروت وهى مقر الزاوية الناصرية فى جنوبى المغرب قرب وادى درعه ؛ والاسم بربرى والتاء فيه مزيدة لذا فإن النسبة إليها تمجروتى ومجروتى (المترجم)