لا تجد انعكاسا ما فى خارطة العالم الموجودة بهذا الأطلس (١٣١). والتأثير الغربى الوحيد على مؤلف الأطلس يبدو فقط فى إطلاقه لفظ «طبله» على أطلسه ، وهو مأخوذ من اللاتينية الدارجةTabula أى اللوحة (١٣٢) ؛ ويبدو أنه قد استعاره من اللغة الدارجة المتداولة آنذاك فى جميع أنحاء حوض البحر الأبيض المتوسط (lingua franca)
ولعل مؤلفنا هذا هو المسئول عن وضع صورة منقحة لخارطة العالم آنفة الذكر نفسها ، وترجع هذه الأخيرة إلى عام ١٥٧٩ وقد كشف عنها نالينو فى مجموعة شخصية برومه ؛ ويرى ميلرK.Miller أن المؤلف قد جهد فى هذه الخارطة ليجمع بين الخارطة البحرية القطلونية (Catalonian) وخارطة الإدريسى ويخرج من الاثنين خارطة بحرية عربية جديدة (١٣٣).
وقد ترسم خطاه على ما يبدو ابنه محمد بن على الشرفى الصفاقسى الذى تنسب إليه خارطة للعالم معروفة فى نسخة واحدة ترتفع إلى عام ١٠٠٩ ه ـ ١٦٠١ (١٣٤) ، ولكن حدث لسهوما أن صورها ميلرMiller فى قطعتين نسب إحداهما إلى عام ١٥٩٢ والأخرى إلى عام ١٦٠١ (١٣٥). وتكاد أهمية هذه الخارطة تنحصر أساسا فى أنها مصورة على قطعة واحدة من جلد شاة تنقصها الأرجل فقط ، وهى نفس الطريقة المتبعة فى رسم الخارطات الإيطالية والفرنسية لذلك العهد (١٣٦). ووصف أمارى لهذه الخارطة بأنها «بديعة» (chiarmante) (١٣٧ لا يقوم على أساس لأن بلوشيه Blochet الذى درسها عن كتب لا يجد فيها ما يستحق الاهتمام ؛ وهى تعتمد على الإدريسى فيما يتعلق بنصفها الشرقى ولو أنها لا تورد جميع أسماء المواضع ، هذا بالإضافة إلى نقصها الفنى الملحوظ ؛ وبهذا فهى لا يمكن أن تصلح «كبورتولان» Portulan (١٣٨). أما فيما يتعلق بنصفها الغربى الذى يبين حوض البحر الأبيض المتوسط مع سواحل الأطلنطى والبحر الأسود فإنه يبدو عليه بوضوح تأثير الخارطات البحرية القطلونية (١٣٩) مما يقف دليلا جديدا على أن الخارطة قد نشأت فى وسط ملاحى مختلط. ومن دراسته لهذه الخارطة يستنتج كونراد ميلر الخبير الكبير فى الكارتوغرافيا العربية أن خارطة الإدريسى الأولى قد وجدت ليس فقط على شكل سفر من سبعين ورقة بل وأيضا على شكل خارطة حائطية كبرى تم تطبيقها بصورة عملية بعد مرور أربعمائة سنة على ظهورها (١٤٠). وقد يكون هذا الاستنتاج صحيحا ولكنه يقف دليلا فى رأى بلوشيه على تدهور المدرسة الكارتوغرافية التونسية (١٤١) التى زاولت نشاطها لبعض الوقت بجدكى تستطيع أن تفى بحاجة عملائها من قباطنة السفن المختلفة التى كانت تمخر عباب البحر الأبيض المتوسط (١٤٢).
ونشاط فن الكارتوغرافيا بالمغرب حينذاك لم يكن بطبيعة الحال أمرا غريبا ؛ ورغما من الأمثلة التى سقناها فإن التأثير الأوروبى قد وجد طريقه إليها بصورة لا تقبل الشك. ولنقدم مثالا طريفا لهذا التأثير فى شخصية عالم مغربى ، وهو إن لم يمس كثيرا علم الجغرافيا إلا أنه يقف دليلا صريحا على نشاط التبادل