دراسة ثمانية أو تسعة أجيال من هذه الأسرة إلى نهاية القرن الثامن عشر ولدوا جميعهم بصفاقس وعاش معظمهم بها وبالقيروان والقاهرة أحيانا ، مشتغلين وفق تقاليد الأسرة بفن رسم المصورات الجغرافية ثم اشتغلوا فيما بعد بدراسة الرياضيات والفلك. وقد أخرج لنا هذا «المصنع» (Workshop) ، إن صح هذا التعبير ، فى الفترة ما بين عامى ١٥٥١ و ١٦٠١ أربعة نماذج لخارطة كبيرة للعالم تمثل فى جوهرها صورة منقحة لخارطة الإدريسى (وذلك فى السنوات ١٥٥١ و ١٥٧٢ و ١٥٧٩ و ١٦٠١) (١٢٢). وهناك اختلاف بين من بحثوا فى النشاط العلمى لهذه الأسرة حول أسماء واضعى هذه الخارطة خاصة وأن بحث نالينو (١٢٣) بقى لمدة طويلة بعيدا عن متناول الأيدى ولم تعرف نتائجه إلا بطريق غير مباشر. وأكبر هؤلاء سنا هو على بن أحمد بن محمد الذى وضع فى عام ٩٥٨ ه ـ ١٥٥١ أطلسا فى ثمانى ورقات تصور فى الغالب سواحل البحر الأبيض المتوسط ولا تزال مخطوطته محفوظة بالمكتبة الأهلية بباريس ؛ ولعل خارطة العالم للشرفى الموجودة بأكسفورد والتى يرجع تاريخها إلى عام ٩٧٩ ه ـ ١٥٧١ ـ ١٥٧٢ (١٢٤) ذات صلة بهذا الأطلس على نحو ما. هذا وقد اختلف البحاثة فى وصف الخارطات المختلفة ولكن تركيب الأطلس العام واضح بالنسبة لنا (١٢٥) فيتلو التقويم الشمسى خارطة للقبلة (١٢٦) مبين عليها مواقع جميع البلدان بالنسبة للكعبة ، ويلى هذا خارطة عامة للعالم (١٢٧). وفى هذه الخارطة الأخيرة يبصر كرامرس تأثيرا ما لخارطة البيرونى (١٢٨) ، غير أن المؤلف نفسه يصرح بأنه قد خضع لتأثير الإدريسى (١٢٩) وهو أمر مفهوم بالنسبة لنا. ثم يتبع هذا خارطات للمناطق المختلفة كسواحل أسبانيا وجزر البليار وجنوبى فرنسا وأجزاء من سواحل إيطاليا تضم قورسيقا وسردينيا ، والساحل المقابل لإفريقيا. ويلى هذا مجموعة من الخارطات تبين سواحل البحر الأسود وبحر آزوف ثم الساحل الجنوبى لآسيا الصغرى فالشام ومصر إلى برقة. وثمة خارطة منفصلة تبين بلاد اليونان وجزر الأرخبيل وكريت وساحل إفريقيا المقابل لها. أما الخارطة الأخيرة فتصور برقة وطرابلس وتونس. وقد أضيف إلى الأطلس كملحق جدول ببين التقويم الزراعى (Agricultural Calender) لكل شهر.
إن تركيب هذا الأطلس البورتولان Portulan ليشير بوضوح إلى أنه قد عمل من أجل قبطان كان يشتغل بالملاحة الساحلية فى البحرين الأبيض المتوسط والأسود إلى سواحل القريم ؛ ثم إن ذكر الشهور بأسمائها الأوروبية والسريانية إلى جانب العربية يسمح لنا بالافتراض بأن هذا الملاح كان يمر على موانى أوروبا المسيحية وموانى الشام على السواء ؛ ومما يوكد أن الأطلس قد عمل من أجل أهداف التجارة لا من أجل أهداف عسكرية أن التحصينات الساحلية غير مبينة عليه كما هو الحال مع الخارطات العثمانية لذلك العصر والتى سيمر بنا الكلام عليها فى حينه (١٣٠). هذا وقد تم رسم الأطلس فى عام ١٥٥١ أى فى العصر الذى كانت تمخر فيه السفن الأوروبية عباب المحيط فى حرية كاملة وهى فى طريقها إلى الصين وأمريكا ، وكذلك حين نجح عدد من الملاحين فى الدوران حول الأرض ؛ غير أن هذه الحقائق الهامة