بالطبع بعدد كبير من المؤلفين المغاربة فى محيط الجغرافيا غير أن مصنفاتهم تعالج نقاطا منفردة أما المصنفات الجامعة من طراز مصنف ليون الإفريقى فإن هذا كان آخر العهد بها.
ومن العسير القول بأن القرن السادس عشر فى إفريقيا الشمالية كان فقيرا فى مصنفاته ولو أنه يجب الاعتراف بأن مستواها لا يتجاوز الحد الأوسط بأية حال ، ويكفى فقط أن نشير فى هذا الصدد إلى ظاهرة فى محيط الكارتوغرافيا (فن رسم المصورات الجغرافية) تقف دليلا على أن مذهب الإدريسى كان لا يزال حيا ومعمولا به ، على الأقل فيما يتعلق بالاحتياجات العملية.
كان نمط الخارطات السائد إلى القرن العاشر هو النمط الذى غلب عليه توزيع المناطق وفقا للأقاليم ؛ ثم أعقب هذا ظهور الخارطات البحرية التى كانت تبين عليها أحيانا خطوط الطول والعرض ، مما يثبت وجود تأثير غربى بل ويشير إلى المحاكاة الصرفة. ولقد كانت الخارطات من هذا النوع فى الحقيقة أمرا غريبا على العرب (١١٧) ولا يخلو من مغزى أن تظهر لأول مرة فى حوض البحر الأبيض المتوسط وبعض مناطق البحر الأسود ، أى فى ذات المنطقة التى وجدت فيها نماذجها الأولى ؛ هذا على حين أنها لا تقابلنا إطلاقا فى الأقطار الساحلية الأخرى التى نفذ إليها العرب كسواحل المحيط الهندى والبحر الأحمر والخليج الفارسى على الرغم من أن هذه السواحل الأخيرة كما سنرى قد شهدت فى هذا العصر بالذات انتعاشا غير معهود لنمط جديد فى الأدب الجغرافى هو الجغرافيا الملاحية.
وأقدم الخارطات البحرية المعروفة لنا محفوظة بمكتبة الأمبروزياناAmbrosiana بميلانو (١١٨) وتمثل قطعة مكونة من ثلاث ورقات لخارطة للبحر الأبيض المتوسط (١١٩) ؛ ويمكن الحكم من الكتابة المغربية على أنها قد عملت فى الجزء الغربى من شمال إفريقيا لعله سبته أو بجايه حيث وجد الملاحون من مختلف الشعوب. وليست بهذه الخارطة أية إشارات خارجية تبين التاريخ الذى عملت فيه ؛ ومن المحتمل أنها ترجع إلى القرن الرابع عشر. ومما يزيد فى توكيد اختلافها عن بقية الخارطات العربية هو أن أبعادها مقدرة بالأميال مما ينهض دليلا جديدا على أنها إيطالية الأصل. وتبدو صلابة مقاومة الطابع العربى فى الخارطات المغربية فى احتفاظها بالأسماء العربية (١٢٠) ؛ وفيما يتعلق بهذه الخارطة بالذات فيبدو أنها تعتمد فى الأصل على خارطة عربية أما الأخطاء الموجودة بها فيمكن إرجاعها إلى طبيعة الكتابة العربية. وبهذا يمكن القول بأن الخارطة تنتمى إلى النمط الإيطالى من حيث الرسم وتخطيط السواحل ولكنها من جهة أخرى تحمل تسميات ذات طابع مستقل فيما يتعلق بساحل إفريقيا وبجنوبى أسبانيا وشرقيها (١٢١). ولم تكن هذه الخارطة هى النموذج الوحيد الذى قدمه لنا العرب فى فن الكارتوغرافيا على سواحل البحر الأبيض المتوسط.
فابتداء من منتصف القرن السادس عشر ازدهر بتونس اسم أسرة الشرفى الصفاقسى التى قدمت فى غضون جيلين عددا من مصورى الخارطات (Cartographers) ؛ وقد وفق نالينو فى أن يتتبع