وقد لقى المصنف انتشارا واسعا فقد أعقب ظهور الطبعة الإيطالية فى عام ١٥٥٠ ظهور الترجمتين اللاتينية والفرنسية فى عام ١٥٥٦ ، ثم ترجم فى حوالى عام ١٦٠٠ إلى الإنجليزية وتلى هذا ترجمته إلى لغات أخرى وظهور عدد كبير من الطبعات استمر إلى القرن التاسع عشر حين توّج ذلك المجهود بطبعتى شيفيرSchefer الفرنسية (١٨٩٦ ـ ١٨٩٨) وبراون Brown الإنجليزية (١٨٩٦) العلميتين (١٠٧) (١). ولا يزال البحث الرئيسى فى دراسة ليون الإفريقى هو ذلك البحث الممتاز الذى دونه قلم لويس ماسينيون Louis Massignon منذ عام ١٩٠٦ بعنوان «مراكش فى السنوات الأولى من القرن السادس عشر كما وصفها ليون الإفريقى» Maroc dans les premieres années du XVIe siecle. Tableau Geogrophique d\'apres Léon l\'African, Alger, ٦٠٩١. وقد كان لليون الإفريقى تأثير قوى على العلم الأوروبى (١٠٨) فمنذ بداية النصف الثانى من القرن السادس عشر على وجه التقريب ، وعلى ممر ثلاثة قرون بعد ذلك لم يستطع أن يتجاهله كاتب أو عالم يود الكلام على إفريقيا ولو أنهم كانوا بكل أسف لا يعتمدون دواما على متن الكتاب الإيطالى بل على الترجمة اللاتينية التى لا يمكن بأية حال الاطمئنان إليها بصورة تامة (١٠٩). أما تقديرهم للمؤلف فقد كان على الدوام تقديرا عاليا (١١٠) ، ففى القرن الثامن عشر كتب عنه مؤلف أول بحث جدى عن الإدريسى وهو المستشرق الألمانى هارتمان Hartmann يقول : «إن ما يتصف به مصنفه من ميزات أمر معروف للجميع ؛ ولن أتردد فى تكرار ما قاله البحاثة قبلى من أن كتابه كنز من الذهب ولو لا وجوده بين يدى لخفيت علىّ أشياء كثيرة» (١١١). وهذا القول نفسه ردده بعد قرنين من ذلك واحد من خيرة العارفين بالجغرافيا التاريخية ومحرر الطبعة العلمية «لوصف إفريقيا» Description de l\'Afrique المستشرق الفرنسى شيفيرSchefer فقال «إن ما يورده ليون الإفريقى من تفاصيل فى وصف المغرب يتميز بالدقة الشديدة ، بل ولقد أثبتت الأبحاث الأخيرة صدق قوله حتى فى تلك المواضع التى أثارت بعض الشك فيما مضى» (١١٢)
غير أن ما قيل فى الثناء عليه لم يمنع العلماء من الوقوف موقف النقد من بعض النقاط المتعلقة إلى حد ما بظروف عمله ؛ فمثلا يفترض المستشرق الإيطالى أمارى أن ما أملاه ليون الإفريقى قد تم جمعه بعد رجوعه إلى إفريقيا (١١٣) بحيث لم يستطع تنقيح المسودة النهائية ؛ وإلى جانب هذا اضطر أمارى إلى الاعتراف بأن ليون الإفريقى لم يعرف تاريخ صقلية معرفة جيدة (١١٤). أما شيفير فيتفق مع عدد كبير من العلماء فى القول بأن ليون الإفريقى «لم ير كل ما وصفه ولم يكن دائما شاهد عيان لما يحكيه» (١١٥). ورغم كل هذا فيجب الموافقة على أنه «آخر الجغرافيين العرب المشهورين فى تلك البلاد (١١٦)». وسنلتقى
__________________
(*) إن أحدث طبعة لمصنف ليون الإفريقى هى الترجمة الفرنسية الحديثة بقلم أيپولارEpaulard التى ظهرت بباريس فى جزئين فى عام ١٩٥٦ ؛ هذا وتوجد للكتاب ترجمة أسبانية ظهرت فى عام ١٩٥٢. (المترجم)