الخطأ فى أمر صغير لا يكفى لمحو الصفات الطيبة التى من شأنها أن تضفى رونقا وبهاءا على ما يتصف به المجموع من جمال وزينة (٩٩)».
أما الأهداف التى وضعها المؤلف نصب عينيه فيمكن استجلاؤها من خاتمة مصنفه حيث يقول : «هذا على وجه العموم ما أبصرته من الأشياء الغريبة التى علقت بذهنى أنا ، جيوفانى ليونى ، عن جميع إفريقيا التى عبرتها من أقصاها إلى أقصاها. وقد دونت بجد واجتهاد ومن يوم لآخر تلك الأشياء التى رأيتها بعينى رأسى وبدا لى أنها تستحق الذكر. وما لم أره بنفسى بسبب ضيق الوقت أو صعوبة الطريق فقد جهدت فى الحصول عليه من أهل الثقة ممن شاهدوه بأنفسهم. ثم بذلت جهدى فى جمع شتات هذه المادة وصياغتها فى شكل كتاب انتهيت من تدوينه أثناء وجودى برومه وذلك فى اليوم العاشر من شهر مارس لسنة ١٥٢٦ من ميلاد المسيح» (١٠٠).
وينقسم المصنف وفقا للمتن الإيطالى إلى تسعة كتب يعالج الأول منها الكلام على إفريقيا بصورة عامة وعن سكانها من البدو الرحل ؛ أما الثانى فيصف نواحى مراكش ومدنها وجبالها بينما أفرد الثالث للكلام على مدينة فاس والرابع لتلمسان والخامس لبجايه وتونس والسادس لطرابلس ، أما السابع فلدول السودان والثامن لمصر بينما يقدم التاسع وصفا موجزا للأنهار والحيوان والأسماك والطيور والمعادن والنباتات الموجودة بإفريقيا (١٠١). وقلما يشير ليون الإفريقى إلى مصادره وهو حين يفعل ذلك يوردها فى أغلب الظن من الذاكرة ؛ ومن بين المؤلفين المعروفين لنا يرد لديه ذكر المسعودى والبكرى والإدريسى وابن الخطيب وابن بشكوال (١٠٢) ؛ ومن الجلى أن معرفته بالمؤلفين المغاربة كانت أقرب وهذا أمر طبيعى. وأكثر نقوله من مؤلف يدعى ابن الرقيق دون سائر المؤرخين والجغرافيين وإليه يدين ليون الأفريقى بتصنيفه الأصيل للقبائل العربية والبربرية وبقدر كبير من المعطيات المختلفة بل بالإطار العام لمصنفه وذلك من الناحيتين التاريخية والاثنوغرافية. ومن المؤسف أن هذا المؤلف لم يتم التعرف عليه حتى الآن على وجه اليقين (١٠٣) ؛ ويفترض ماسينيون أنه عاش فى النصف الثانى من القرن الثالث عشر (١٠٤) ؛ وعلى كل حال فإن قيمة كتاب ليون الإفريقى لا تكمن فى ما ينقله عن الغير بل فى ملاحظاته الشخصية التى تشكل القسم الأساسى من مصنفه. وهو قد احتفظ فى مصنفه الأوروبى بروحه العربية التى تتمثل فى القصص المنحولة التى يسردها ليستخرج منها الموعظة والعبرة شأنه فى هذا شأن مؤلفى المجموعات الأدبية التى اشتهر بها الأدب العربى (١٠٥) ؛ أما منهجه فى التأليف الذى فصل الكلام عليه فى الفقرة الختامية من الكتاب فيوكده فى الواقع جميع من انقطعوا لدراسة مصنفه. وكتاب ليون الإفريقى هو البحث الوحيد فى جغرافيا مراكش المتميز بالأصالة والترتيب الذى ظهر بأوروبا فى القرن السادس عشر ؛ وكان فى الحقيقة فتحا جديدا بالنسبة لذلك العصر حتى ولو بسبب تقديمه لما يقرب من أربعمائة اسم لمواضع جغرافية مع معطيات دقيقة وجديدة (١٠٦)