بقليل ، وربما كان ذلك فى عام ١٥٢٨ ، تمكن بطريقة ما من الإفلات راجعا إلى إفريقيا (٨٨) وما لبث أن اطرح المسيحية إلى دينه القديم ؛ وقد توفى الوزان على ما يبدو بتونس فى عهد آخر بنى حفص وذلك فى عام ١٥٥٢ (٨٩).
هذا وقد وجدت مزاعم تقول بأن الأصل العربى «لوصف إفريقيا» كان موجودا لدى المؤلف عندما وقع فى الأسر ، وقيل فيما بعد بأن مخطوطته قد وجدت طريقها إلى أحد محبى الكتب (bibliophile) وهو پنلى V.Pinelli ولكنها فقدت فى الطريق إلى نابلى عند هجوم القراصنة (٩٠). وعلى الرغم من كل ذلك فإن القول بأنه قد وجد مصنف تام فى يد ليون الإفريقى عند وصوله إلى إيطاليا قول ضعيف وأغلب الظن أن الأمر اقتصر على قطع متفرقة وتخطيط ذى طابع عام. وماسينيون Massignon بوجه عام لا يعتقد فى وجود مخطوطة عربية للكتاب ويعتبر القول بذلك محض خطأ (٩١) بل إنه يرى خلافا لذلك أن ليون الإفريقى لم يدون الكتاب باللغة العربية وإنما صاغ مذكراته وملاحظاته باللغة الإيطالية رأسا (٩٢). ولعل هذا أقرب إلى الواقع خاصة وأن المؤلف نفسه يذكر على وجه التحديد فى المسودة الإيطالية أنه قد دون مصنفه من الذاكرة وذلك بعد مضى عشرة أعوام لم تقع فيها عينه على مصنف لمؤرخ عربى واحد (٩٣). ولم تكن ذاكرته تسعفه دائما ، وعلى الرغم من أن الوصف الجغرافى عنده يتميز بالدقة الشديدة إلا أن مادته التاريخية وتواريخه ليست فى المستوى المرجو (٩٤) ، وربما كان مرد ذلك إلى أنه لم يكن بمقدوره أن يراجعها فى مظانها.
ولعل إقامة المؤلف بأوروبا قد انعكست فى طابع الكتاب نفسه إذ ليس من اليسير ضمه إلى النمط المعروف فى «المسالك» كما فعل ماسينون (٩٥) أو إلى نمط «الرحلة» الذى نال الحظوة لدى أهل المغرب (٩٦) ، فهو فى الواقع قد كتب من أجل الأوروبيين ولو أن مؤلفه علامة عربى ويعتمد على مادة عربية (٩٧) ؛ ولعل معرفة المؤلف بعدد من اللغات قد مكنته من الاطلاع على مؤلفات العالم الكلاسيكى ومؤلفات العصور الوسطى الأوروبية ، وربما عاونه فى ذلك علماء النزعة الإنسانية من بين الإيطاليين Italian) Humanists) ؛ وتشير الدلائل إلى أنه قرأ لبعض المؤرخين اللاتينيين (٩٨).
ومن الطريف إشارته إلى بلينيوس Plinius فى الكتاب التاسع من «وصفه» الذى يتحدث فيه عن المعادن والنبات والحيوان (١) ؛ فهو يذكر فى مطلعه بأنه سيتكلم عما يوجد منها بإفريقيا «باستثناء كثير من الأشياء التى أوردها بلنيوس الذى كان بحق رجلا ممتازا ذا مذهب فريد. وهو كثيرا ما وقع فى الخطأ عند معالجته الكلام على أشياء بسيطة تتعلق بأفريقيا ، غير أن مرد ذلك ليس لعيب فى نفسه بل لما حصل عليه من معلومات خاطئة ولرغبته فى أن يقلد من كتبوا قبله. وعلى أية حال فإن
__________________
(*) نقل مؤلف الكتاب هذه الفقرة عن كتاب مييلى Mieli ولكن سقط سهوا لفظ «الأنهار» الذى يرد قبل لفظ «المعادن» (راجع ص ٥٣٨ من الترجمة العربية لكتاب الدومييلى «العلم عند العرب»). (المترجم)