على إفريقيا الداخلية والشمالية (٧٩) ولا تزال الدوافع التى حفزته لمغادرة مراكش فى عام ٩٢١ ه ـ ١٥١٥ والضرب فى نواحى الأرض غير واضحة المعالم ، شأنها فى هذا شأن جل التفاصيل المتعلقة بسيرة حياته (٨٠). ولعل الدافع الأساسى من بينها كان رغبته فى أداء فريضة الحج ، أو ربما ساقه إلى ذلك اعتبارات أخرى ومهما يكن من شىء فإنه يجب الاعتراف بأن عدد البلاد التى زارها أمر لم يعهد من قبل فهو قد زار على حد قوله مصر وبلاد العرب وإيران والشام وأرمينيا و «بلاد التتار» ؛ والأرجح أنه يقصد بهذه الأخيرة منطقة تبريز. وكان بمكة ومصر فى عام ٩٢٣ ه ـ ١٥١٧ ، وهو عام يمثل لحظة حاسمة فى تاريخ تلك الأقطار هى لحظة فتح السلطان سليم العثمانى لمصر ؛ ولكن مؤلفنا لا يذكر شيئا عن ذلك (٨١). وقد بلغ الوزان فى تجواله استنبول التى أخذت منذ ذلك الحين تجتذب إليها بشكل مطرد أنظار العرب الذين أخذت أوطانهم تدور فى فلك الدولة العثمانية بطريق مباشر أو غير مباشر. ومن المستحيل تحديد تواريخ تحركاته بصورة دقيقة ، وهى على أية حال قد انتهت نهاية محزنة فبينما هو فى طريق العودة إذ وقع عند جزيرة جربه فى أسر قراصنة من جزيرة صقلية ساقوه إلى نابلى فى حوالى عام ١٥٢٠ ثم إلى رومه حيث أهدوه مع زرافة إلى البابا ليون العاشر (١٥١٣ ـ ١٥٢١) (٨٢) ؛ وكان هذا البابا يحمل فى حياته العادية اسم جيوفانى مديتشى Giovanni Medci وهو ابن لورنسو الفاخر أمير فلورنسه وقد عرف لا باعتناقه لمذهب النزعة الإنسانية المستنيرة (einlightened humanism) كما فهمته أفضل عقليات إيطاليا لذلك العهد فحسب ، بل عرف أيضا باطلاعه على المسألة الشرقيةla question) (d\'Orient حتى أنه بحث مع فرنسوا الأول ملك فرنسا فى عام ١٥١٥ مشروع حملة صليبية ضد الترك (٨٣) ؛ وقد كان من جراء هذا أن زاد الاهتمام بالشرق فى إيطاليا بحيث لم يكن فى المستطاع ألا يسترعى العلامة المغربى نظر البابا ليون العاشر. وقد اضطر المغربى إلى أن يعتنق المسيحية ويتخذ لنفسه اسم ولى نعمته وهو جيوفانى ليونى ؛ ويسر له البابا سبل الاشتغال بتدريس اللغة العربية والتفرغ للنشاط العلمى برومه وبولونيا.
وكان لإلمامه الجيد باللغة الأسبانية التى كانت أشبه ما تكون بلغته القومية (٨٤) أن عاونه هذا سريعا فى التعرف على بيئته الجديدة وإجادة الإيطالية واللاتينية بصورة مرضية. ومنذ عام ٩٣٠ ه ـ ١٥٢٤ نجده يؤلف معجما عربيا ـ عبريا ـ لاتينيا من أجل طبيب يهودى لا تزال مخطوطته محفوظة بالاسكوريال (٨٥). وفى العاشر من مارس عام ١٥٢٦ أتم الترجمة الإيطالية لكتابه الذى وضعه أصلا باللغة العربية والذى يسترعى اهتمامنا بوجه خاص وهو «وصف إفريقيا» (٨٦). وفى عام ١٥٢٧ ألف باللاتينية كتابا جامعا فى سير ثلاثين من مشاهير العرب فى الفلسفة والطب Libellus de viris quibusdam (٨٧) illustribus apud Arabes نشره هوتينغرHottinger فى عام ١٦٦٤ ، وكان أول سفر من نوعه يقدم معلومات ذات أهمية بالنسبة لأوروبا فى تاريخ تطور العلوم عند العرب. وعقب هذا