وقد نال مصنف الحميرى حظوة كبيرة لدى المؤلفين المتأخرين ولو أن هذا يقف بالطبع عند حد بلاد المغرب وحدها بالتقريب ، فإلى جانب من ذكرناهم فى سياق الحديث ممن استعملوا مسودته الأولى نقل عنه أيضا فى القرن السابع عشر المقّرى ، وفى القرن الثامن عشر مقديش (٧٠) بل وحتى فى القرن التاسع عشر الناصرى السلاوى (٧١) ؛ وكل هذا يقف بالطبع دليلا على قيمة المادة التى جمعها الحميرى. ولا يفوتنا أن نشير فى خاتمة كلامنا عنه إلى أن ليفى بروفنسال الذى يدين له العلم بتعريفنا بهذا الأثر قد جمع القسم الخاص بالأندلس ونشره مع ترجمة فرنسية وتعليقات علمية جعلت من هذه الطبعة مرجعا قيما لا يمكن الاستغناء عنه فى دراسة الأندلس ، بحيث يلعب بالنسبة لتلك البلاد نفس الدور الذى يلعبه معجم ياقوت بالنسبة للعالم الإسلامى.
وإذا أمكن اعتبار الحميرى آخر مؤلف لمعجم جغرافى كبير فإن ثمة مغربيا آخر هو ليون الإفريقى المشهور يكاد يعد بوجه عام آخر المؤلفين الكبار فى محيط الجغرافيا العربية ببلاد المغرب. وإذا تناولنا المسألة من الناحية الشكلية فحسب فلعل الكلام عنه لا يدخل فى دائرة موضوع بحثنا ، ذلك أن مصنفه الأساسى معروف فقط فى ترجماته الأوروبية فى حين أن أصله العربى مفقود تماما ولكنه فى أغلب الظن قد وجد بالفعل ، وبهذه الصفة فهو ينتمى إلى الأدب العربى ؛ وقد كشف الآن عن المؤلف مواطنوه المغاربة واعترفوا به بل إن مراكشيا معاصرا أفرد له منذ وقت غير بعيد دراسة خاصة (٧٢).
وفى سيرة حياته شبه بعيد بسيرة حياة الإدريسى غير أن اسمه الغريب يشير إلى ما أحاط بها من تعقيد كبير (٧٣) ؛ فهو معروف فى الأقطار العربية باسم الحسن بن محمد الوزّان الزياتى ولكن اسمه يرد فى مصنفاته التى وضعها بأوروبا على أنه يوحنا الأسد الغرناطى معربا بهذا الاسم الذى أطلق عليه هناك وهوIohannes Leo Eliberitanus أوAfricanus أى يوحنا ليون (الأسد) الأيبيرى أو الإفريقى (٧٤). وقد ولد فيما يبدو بغرناطة وذلك قبل أمد قصير من سقوطها فى أيدى النصارى عام ١٤٩٢ ؛ وكما هو الحال مع عدد كبير من الأسر المسلمة فقد انتقل أهله عقب ذلك إلى مراكش فشب مؤلفنا بمدينة فاس التى أخذ منها نسبته أى الفاسى. ومنذ نحو عام ١٥١١ صحب عمه فى رحلة دبلوماسية ساقته إلى تمبكتو عن طريق دره (٧٥).
ومن المؤكد أنه نال حظا جيدا من التعليم وتمرس فى فنون الكتابة الدواوينية ، كما أنه قد اضطلع لا أقل من ثلاث مرات بأعباء سفارات هامة فى جنوبى مراكش لأسرة بنى وطّاس (٧٦) الحاكمة بفاس ، وهى واحدة من آخر فروع أسرة بنى مرين وعرفت بتشجيع الثقافة والارتفاع بمستوى الحضارة فى المغرب الأقصى وإلى عصرهم الذى يمكن أن يعد فترة انتقال بين تاريخ مراكش الوسيط وتاريخها الحديث يرجع الوصف الدقيق المفصل لمدينة فاس الذى دونه يراع ليون الإفريقى (٧٧). وفيما بعد قام بأعباء مماثلة لهذه لدى الشريف محمد (٧٨) ؛ وقد استطاع خلال رحلاته العديدة أن يتعرف بصورة جيدة