طويل الطريق الوحيد إلى غرناطة فقد سلكه قبله ابن بطوطة منذ أكثر من قرن وذلك فى عام ٧٥٢ ه ١٣٥١ (٥٢) ـ ١٣٥٢ ، كما سلكه بعد ثلاثين عاما من عبد الباسط وذلك فى عام ١٤٩٤ ـ ١٤٩٥ : أى عقب سقوط غرناطة ، الرحالة الألمانى هيرونيم مونتسرH.Muntzer ووصفه فى كتابه «الرحلة الإسبانية» Iter Hispanicum (٥٣). ولم يقدر لعبد الباسط أن يحقق حلمه بزيارة قرطبة على الرغم من أن التجار المسيحيين والمسلمين كانوا يتنقلون من منطقة إلى أخرى بحرية تامة ؛ وكان السبب الذى حال دون ذلك هو أن رحالتنا قد أصيب بجراحة بالغة (٥٤) فى معركة شخصية وحين برئ من جرحه أخذ طريق العودة فبلغ وهران فى فبراير من عام ١٤٦٦ ، ثم مصر فى مايو من عام ٨٧١ ه ـ ١٤٦٧. وقد عمر عبد الباسط طويلا وتوفى قبل وقت قصير من فتح العثمانيين لمصر وذلك فى عام ٩٢٠ ه ـ ١٥١٤ متمتعا بتقدير الجميع له كفقيه من فقهاء الحنفية وبسمعة واسعة كخبير فى الطب (٥٥). ومن بين المؤلفات العديدة التى خلفها لنا يحتل أهمية خاصة كتابه فى التاريخ «الروض الباسم فى حوادث العمر والتراجم» الذى يعالج تاريخ الفترة من عام ٨٤٤ ه ـ ١٤٤٠ إلى زمن المؤلف ، والذى يولى فيه اهتماما خاصا لسير مشاهير الرجال خاصة العلماء الذين التقى بهم (٥٦). وقد كشف المستشرق ليقى ديلاقيداLevi della Vida منذ عهد غير بعيد بمكتبة الفاتيكان (٥٧) عن قطعتين من تاريخه هذا احداهما بخط يد المؤلف نفسه ؛ وفيهما يروى المؤلف بعض قصص أسفاره ولحوادث المعاصرة له. وقد نشر ليفى ديلافيد بعض الشذور المتعلقة بالأندلس (٥٨) ومن مراجعتها يستطيع القارئ أن يخرج بنتيجة مؤداها أن مادته ليست بذات قيمة كبيرة بل إنها فقيرة ، كما أن أسلوبه يغلب عليه الجفاف. وعلى الرغم من أن المؤلف كان يشغل أثناء وضعه لمصنفه مركزا رفيعا وكان قد نال درجة من الثقافة تفوق المتوسط فيما يبدو إلا أنه لم يكن عالما كبيرا أو ذا نظر ثاقب فى تحليل المسائل السياسية ولو أنه تمتع بدرجة فائقة من قوة الملاحظة فى شبابه ؛ ويبدو من أسلوبه أنه سريع الدهشة سريع التصديق ، مع ميل واضح إلى الغريب والنادر شأنه فى هذا شأن معظم معاصريه. وهو يعبر عن نفسه بجمل عامة ؛ ومع أن ملاحظاته تتميز بالحيوية إلا أنها تتصف بالضحالة ولا تنفذ إلى أعماق ما شاهده أو تذكره. أما غرناطة فتذكره قبل كل شىء بدمشق التى عرفها فيما يبدو جيدا ؛ وهو كثيرا ما يعود إلى هذه المقارنة بين المدينتين دون أن يورد أمثلة ملموسة لاوجه الشبه بينهما. وعلى الرغم من كل هذا فإن سرده يتصف بالأمانة وبالبساطة بل ويكتسب قيمة كبيرة لأنه يترجم عن أحاسيسه المباشرة ، تلك الأحاسيس التى يستشعرها أى عربى قادم من المشرق حين يجد نفسه أمام جمال الطبيعة فى الأندلس وأمام آثارها الفنية القيمة. ويمكن من خلال عرضه أن يستشف ذلك الشعور بالأسى الذى يستولى على قلب كل مسلم مخلص وهو يبصر تقدم «الكفار» التدريجى نحو الجنوب ويستشعر فى دخيلة نفسه أن أيام العرب فى تلك البلاد قد أصبحت معدودة (٥٩). أما ميزة