ويلى «المقدمة الثانية» «تكمله لهذه المقدمة الثانية» بعنوان «فى أن الربع الشمالى من الأرض أكثر عمرانا من الربع الجنوبى وذكر السبب فى ذلك». وفى هذه التكملة (٢٤) يعرض ابن خلدون للنظرية التى انتشرت فى الأدب الجغرافى العربى ومؤداها خلو البلدان الواقعة إلى الجنوب من خط الاستواء من السكان لإفراط الحر ، فيقف منها موقف المتشكك محاولا أن يوفق بين تفكيره المتسم بالواقعية والنظريات المتوارثة عن العلم اليونانى فيقول : «ومن هنا أخذ الحكماء خلاء خط الاستواء وما وراءه. وأورد عليهم أنه معمور بالمشاهدة والأخبار المتواترة فكيف يتم البرهان على ذلك؟ والظاهر أنهم لم يريدوا امتناع العمران فيه بالكلية (٢٥) إنما أداهم البرهان إلى أن فساد التكوين فيه قوى بإفراط الحر والعمران فيه إما ممتنع أو ممكن أقلى. وهو كذلك فإن خط الاستواء والذى وراءه وإن كان فيه عمران كما نقل فهو قليل جدا» (٢٦). ويختتم ابن خلدون هذه «التكملة» بالألفاظ الآتية : «ولنرسم بعد هذا الكلام صورة جغرافيا كما رسمها صاحب كتاب رجار ثم نأخذ فى تفصيل الكلام عليها ... إلخ» (٢٧). ويجب أن نبادر إلى القول بهذه المناسبة أنه لم يتم العثور فى أية واحدة من مخطوطات كتابه على هذه الخارطة المزعومة (٢٨) (١).
أما «تفصيل الكلام على هذه الجغرافيا» فيقدم وصف الأرض بتقسيمها إلى سبعة أقاليم وتقسيم كل إقليم إلى عشرة أجزاء. وبعد أن يوضح ابن خلدون القاعدة الفلكية لهذا التقسيم ويصف الأقاليم بإيجاز يشير مرة أخرى إلى مصدره الأساسى وذلك بقوله :
«ونحن الآن نوجز القول فى ذلك ونذكر مشاهير البلدان والأنهار والبحار فى كل جزء منها ونحاذى بذلك ما وقع فى كتاب «نزهة المشتاق» الذى ألفه العلوى الإدريسى الحمّودى لملك صقلية من الأفرنج وهو رجار بن رجار عندما كان نازلا عليه بصقلية بعد خروج صقلية من إمارة مالقة. وكان تأليفه للكتاب فى منتصف المائة السادسة وجمع له كتبا جمة.» (٢٩).
ثم يسرد ابن خلدون عقب هذا مباشرة أسماء الكتب التى أشار إليها الإدريسى بألفاظه محتفظا بنفس الترتيب الذى وردت به فى «نزهة المشتاق» ؛ ومن العسير القول بأنه عرفها جميعها معرفة مباشرة. أما وصفه للأقاليم فلا يمثل شيئا جديدا بالنسبة لنا إذ أنه يقدم مقتطفات فقط من مصنف الإدريسى المذكور. وهو قد يغتنم الفرصة أحيانا ليضيف شيئا ما كمعلوماته عن جزر المحيط الأطلنطى (٣٠) وعن جوف إفريقيا (٣١) ، هذا على الرغم من أن مادته كانت دون شك أحفل وأكثر تفصيلا فى مجالات كثيرة من معلومات الإدريسى. وقد رجع ابن خلدون أحيانا إلى مصادر أخرى غير الإدريسى مثل ابن سعيد (٣٢) أو «كتاب المشترك» لياقوت (٣٣) ، غير أن هذا لا يحدث إلا نادرا زد على ذلك أن ما ينقله منهم يرد عادة
__________________
(*) لقد تم العثور عليها وهى موجودة فى مخطوطة واحدة فقط من المخطوطات العديدة لكتاب «العبر» هى المخطوطة رقم ٢١٠٦ طلعت بدار الكتب المصرية (راجع ص ٥٧ من كتاب «مؤلفات ابن خلدون» لعبد الرحمن بدوى ، القاهرة ١٩٦٢).
(المترجم)