أما بالنسبة للأتراك العثمانيين فى القرن التاسع عشر فلم يكن من السهل أن يمر ابن بطوطة هكذا دون أن يثير اهتمامهم ، إن ليس لشىء فلوصفه المفصل لآسيا الصغرى على أقل تقدير ، ناهيك عما يحفل به كتابه من تفاصيل هامة تتعلق بموضوعات شتى. وقد ظهرت محاولات لترجمته إلى اللغة التركية منذ الستينيات الأولى للقرن الماضى وذلك فى صحيفة «تقويم وقائع» التى كان يحررها كمال افندى (١٢٢) ؛ أم الترجمة الكاملة للكتاب التى قام بها الداماد محمد شريف فقد ظهرت فى ثلاثة أجزاء فى نهاية ذلك القرن (١٣١٥ ه ـ ١٣١٩ ه ـ ١٨٩٧ ـ ١٩٠١) (١٢٣). وللعلامة التركى محمد جودت (توفى فى عام ١٩٣٥) تعليق واف على رواية ابن بطوطة عن تقاليد «الأخى» بآسيا الصغرى ومقارنته لذلك مع تقاليد «الفتيان» عند العرب (١٢٤).
وعلى أية حال فيجب القول بأن معرفة الاستعراب الأوروبى بابن بطوطة جاءت متأخرة ومتأخرة بكثير عن معرفته بالإدريسى بل وحتى بأبى الفدا ؛ ومن العبث البحث عن اسمه فى موسوعة دربلوd\'Herbelot المعروفة التى جمعت خلاصة المعارف فى ميدان الاستعراب حتى القرن الثامن عشر ، أو عند اشنوررSchnurrer الذى سجل أسماء جميع المؤلفات التى ظهرت فى عالم الاستعراب إلى عام ١٨١٠. وفى بداية القرن التاسع عشر فقط ثم الكشف عن ابن بطوطة لأول مرة ، ولم يتم ذلك بواسطة العلماء ولكن بواسطة اثنين من الرحالة هما زيتسن Seetzen (١٨٠٨) وبوركهارت Burckhardt اللذين استطاعا بحق أن يقدرا زميلهما المغربى حق قدره وإليهما يرجع الفضل فى وصول مخطوطات موجز البيلونى إلى أوروبا لأول مرة (بمكتبتى غوطاGotha وكمبردج Cambridge) وبهذا أصبح المتن فى متناول أيدى العلماء. وكان أول من تناوله بالبحث العلامة كوزغارتن Kosegarten وتلميذه ابتزApetz فقدم الأول تحليلا عاما للرحلة وثلاث مقتطفات من المتن تصحبها الترجمات والتعليقات بعنوان : «الرحلة الفارسية» Iter Persicum و «الرحلة الملديقية» Iter Maldivicum و «الرحلة الإفريقية» Iter Africanum (١٨١٨) ؛ أما الثانى فقد قام بنفس المهمة فيما يتعلق بوصفه لساحل ملبارMalabar (١٨١٩). وتمثل خطوة إلى الأمام فى دراسة ابن بطوطة تلك الترجمة الكاملة للموجز التى قام بها العلامة الإنجليزى لى Lee الأستاذ بجامعة كمبردج (١٨٢٩) ؛ وعلى النقيض من هذا فإن الترجمة البرتغالية التى قام بها موراMoura (١٨٤٠ ـ ١٨٥٥) (١٢٥) معتمدا فى ذلك على مخطوطة حصل عليها بفاس فى حوالى عام ١٧٩٧ لم تحظ بالعناية الكافية (١٢٦). أما أصل الكتاب فإنه لم يتم العثور عليه إلا بعد فتح الفرنسيين للجزائر واستيلائهم على قسنطينة ، وأعقب هذا أن وجدت طريقها إلى المكتبة الأهلية بباريس Bibliotheque Nationale نحو من خمس مخطوطات اثنتان منها كاملتان وأبعاض منهما بخط يد ابن جزى نفسه. وبهذا تمكن العلماء الفرنسيون ، بعد محاولات عديدة لنشر وترجمة أقسام من الكتاب ، من أن يخرجوا أول طبعة كاملة للرحلة مصحوبة بترجمة فرنسية فى أربعة