كانت لا تزال على قيد الحياة ولو أن رقعتها كانت قد تقلصت بشكل ملحوظ ؛ لذا
فقد اهتم بنومرين بتشجيع الأدب والأدباء كأسلافهم عرب الأندلس. وقد حفظت لنا
الآثار المعمارية لعصرهم نماذج فنية عظيمة كما اجتذب بلاطهم عددا كبيرا من الأسماء
اللامعة فى مجالى الأدب والعلم فعاش فى كنفهم ابن خلدون وابن الخطيب وكلاهما كان
معاصرا لابن بطوطة . ويبدو أنه كان للسلطان أبى عنان الفضل فى ظهور كتاب
وصف رحلة ابن بطوطة فهو الذى عثر له على «محرر أدبى» إن صح هذا القول ؛ وتشير
قرائن الأحوال إلى أن رحالتنا رغما من ولعه بالقصص فإنه لم يحس انجذابا شديدا نحو
الكتابة. أما كيف خرجت فكرة الكتاب إلى الوجود فيتضح ذلك جليا من ألفاظ المحرر ،
فهو فى كلامه عن ازدهار فاس فى عهد السلطان أبى عنان يقول :
«وكان ممن وفد
على بابها السامى وتعدّى أوشال البلاد إلى بحرها الطامى الشيخ الفقيه السائح الثقة
الصدوق جوّاب الأرض ومخترق الأقاليم بالطول والعرض أبو عبد الله محمد بن عبد الله
بن محمد بن إبراهيم اللواتى الطنجى المعروف بابن بطوطة المعروف فى البلاد الشرقية
بشمس الدين وهو الذى طاف الأرض معتبرا وطوى الأمصار مختبرا وباحث فرق الأمم وسبر
سير العرب والعجم ثم ألقى عصا التسيار بهذه الحضرة العليا ... ونفذت الإشارة الكريمة بأن يملى ما شاهده فى رحلته
من الأمصار وما علق بحفظه من نوادر الأخبار ويذكر من لقيه من ملوك الأقطار
وعلمائها الأخيار وأوليائها الأبرار فأملى من ذلك ما فيه نزهة الخواطر وبهجة
المسامع والنواظر من كل غريبة أفاد باجتلائها وعجيبة أطرف بانتحائها وصدر الأمر
العالى لعبد مقامهم الكريم المنقطع إلى بابهم المتشرف بخدمة جنابهم محمد بن محمد
بن جزى الكلبى ... بأن يضم أطراف ما أملاه الشيخ أبو عبد الله من ذلك فى تصنيف
يكون على فوائده مشتملا ولنيل مقاصده مكملا متوخيا تنقيح الكلام وتهذيبه معتمدا
إيضاحه وتقريبه ليقع الاستمتاع بتلك الطرف ويعظم الانتفاع بدرّها عن تجريده عن
الصدف فامتثل ما أمر به مبادرا وشرع فى منهله ليكون بمعونة الله عن توفية الغرض
منه صادرا ونقلت معانى كلام الشيخ أبى عبد الله بألفاظ موفية للمقاصد التى قصدها
موضحة للمناحى التى اعتمدها وربما أوردت لفظه على وضعه فلم اخلّ بأصله ولا فرعه
وأوردت جميع ما أورده من الحكايات والأخبار ولم أتعرض لبحث عن حقيقة ذلك ولا
اختبار على أنه سلك فى إسناد صحاحها أقوم المسالك وخرج عن عهدة سائرها بما يشعر من
الألفاظ بذلك وقيدت المشكل من أسماء المواضع والرجال بالشّكل والنقط ليكون أنفع فى
التصحيح والضبط وشرحت ما أمكننى شرحه من الأسماء الأعجمية لأنها تلتبس بعجمتها على
الناس ويخطئ فى فك معمّاها معهود القياس» .
من هذا يتضح
لنا أن وصف رحلة ابن بطوطة المعروف باسم «تحفة النظار فى غرائب الأمصار وعجائب
الأسفار» ليس من تصنيف ابن بطوطة نفسه بل يمثل صياغة أدبية لروايته عملها الكاتب
ابن جزى ، ولا يزال موجودا بالمكتبة الأهلية بباريس قسم من الكتاب بخط يد الكاتب
نفسه. ويمكن