ومن هناك اتجه إلى كانتون بالصين. وفى طريق العودة أخذ السفينة من سومطرة إلى ظفار فى جنوبى الجزيرة العربية فبلغها فى عام ٧٤٨ ه ـ ١٣٤٧. ومرة أخرى نراه ضاربا فى فيافى إيران والعراق والشام ومصر ؛ ثم أدى فريضة الحج للمرة الرابعة ؛ وبعد ذلك ذهب إلى فلسطين وشهد بها الوباء المخيف الذى اجتاحها عام ٧٤٩ ه ـ ١٣٤٨. وعقب ذلك بقليل فى أبريل من عام ٧٥٠ ه ـ ١٣٤٩ ألحت عليه رغبة جامحة فى الرجوع إلى وطنه ، ولعل تواتر الأخبار بازدهار مراكش فى عهد السلطان أبى عنان من بنى مرين قد مكن من هذه الرغبة فى نفسه فأخذ طريق العودة مارا على مصر وتونس ؛ وهناك واتته فكرة زيارة جزيرة سردينيا («سردانية»). وفى أثناء هذه الرحلة تعرض مرتين لهجوم لصوص البحر (٨٨) ؛ وعلى الرغم من هذا فقد حالفه التوفيق فتقدم فى طريقه إلى فاس مارا على تنس وتلمسان وتازا ، التى علم فيها بخبر وفاة أمه ، حتى بلغ بلاط السلطان أبى عنان فى نوفمبر من عام ٧٥٠ ه ـ ١٣٤٩ وهناك انتهى به المطاف وقوبل بما هو أهل له من التقدير والإجلال. بيد أن تجواله لم يقف عند هذا الحد فقد بقى قطران إسلاميان لم يكن قد زارهما بعد أحدهما دولة غرناطة التى لم تستغرق زيارته لها وقتا طويلا. وفى طريقه إليها زار قبر أمه بطنجة (٨٩) ثم عبر مضيق جبل طارق إلى رنده فمالقه وأقام مدة أطول بعض الشىء بغرناطة ، ومن المحتمل أنه تعرف فيها بمحمد بن جزى وهو الرجل الذى كتبت له الأقدار أن يدون أخبار أسفار ابن بطوطة ؛ ثم رجع ابن بطوطة إلى المغرب عابرا مضيق جبل طارق للمرة الثانية. غير أنه لم يلبث أن خرج فى غرة المحرم من عام ٧٥٣ ه ـ ١٨ فبراير ١٣٥٢ فى رحلة أطول من تلك بكثير كان قد كلفه بها السلطان أبو عنان وكانت وجهتها جوف إفريقيا ؛ وقد ظل وصف هذه الرحلة الأخيرة لا يفضله شىء إلى عهد الرحلات الأوروبية فى القرن التاسع عشر.
مر ابن بطوطة بسجلماسة فى طريقه إلى تمبكتو بمملكة مالى القوية (٩٠) التى لم يكن قد مر على اعتناقها الإسلام عهد طويل. وفى طريق العودة بعد أن زار معادن النحاس بتكدا بدأ فى ١٢ سبتمبر ٧٥٤ ه ـ ١٣٥٣ رحلة شاقة استغرقت بضعة أشهر فى صحبة قافلة من تجار الرقيق اخترق خلالها هضبة «هكار» Ahagger بعد أن مرّ فى طريقه على واحة أغدس Agdes ثم عبر جبال أطلس شتاء فى ظروف قاسية من الشظف الشديد إلى أن بلغ فاس فى نهاية عام ٧٥٤ ه ـ ١٣٥٣ ؛ وفى هذه المدينة أمضى البقية الباقية من حياته وهى نيفا وعشرين عاما لم يقم خلالها بأى تجوال حتى وافته منيته فى عام ٧٧٩ ه ـ ١٣٧٧ (١).
وقد كان عهد المرينيين ، خاصة فى أثناء حكم أبى الحسين (٧٣١ ه ـ ٧٤٩ ه ـ ١٣٣١ ـ ١٣٤٨) وأبى عنان (٧٤٩ ه ـ ٧٥٩ ه ـ ١٣٤٨ ـ ١٣٥٨) عهدا ازدهرت فيه الثقافة فى جميع أنحاء المغرب الإسلامى ، وقد عد بنو مرين أنفسهم ورثة الحضارة الأندلسية على الرغم من أن الدولة العربية بالأندلس
__________________
(*) هذا التاريخ غير صحيح ، وكما أثبت جب Sir Hamilton Gibb فإن التاريخ الصحيح لوفاته هو عام ٧٧٠ ه ـ ١٣٦٨ ـ ١٣٦٩ (راجع Selections ,p.٢). (المترجم)