بسبب الحرب التى اشتعلت بين قبائل البجه والمماليك مما اضطر معه ابن بطوطة إلى العودة إلى القاهرة. وهناك واتته فكرة زيارة الشام لينضم إلى قافلة الحاج من دمشق ، واغتنم هذه الفرصة فزار فى طريقه فلسطين مارا على بيت المقدس كما زار الشام فبلغ أنطاكية واللاذقية. وعقب زيارته لحلب أمضى فترة من الوقت بدمشق ثم انضم إلى قافلة الحاج فزار مكة والمدينة. وأعقب هذا زيارته لمشاهد الشيعة وقبر على بالنجف ثم مر بالبصرة فى طريقه إلى فارس فزار شيراز وأعقبها بالموصل ودياربكر من مدن الجزيرة ثم رجع إلى الكوفة وغادرها إلى بغداد. وكان العام قد انصرم مما يسر عليه فرصة تأدية الحج مرة ثانية ، وهنا أقام بمكة الفترة من عام ٧٢٩ ه إلى ٧٣٠ ه (من نهاية عام ١٣٢٨) حتى عوفى من مرض شديد كان قد ألم به وتعرف خلال ذلك على عدد من العلماء والدراويش المقيمين بها. ولم يلبث أن غادرها إلى جده ومنها عبر البحر الأحمر إلى الساحل الشرقى لأفريقيا ثم رجع منه إلى اليمن ثم عاد مرة ثانية إلى إفريقيا التى غادرها إلى الساحل الشرقى لبلاد العرب على الخليج الفارسى ، وقد مر فى طريقه على عمان وهرمز والبحرين. وزار مكة للمرة الثالثة فمر فى طريقه إليها على اليمامة ثم اجتاز البحر الأحمر إلى عيذاب ومنها إلى القاهرة. أما الدورة الثانية من أسفاره فكانت وجهتها الأقطار الشمالية فقد اجتاز الشام حتى دخل آسيا الصغرى ؛ وفيما يتعلق بهذه البلاد الأخيرة فإن خط سيره يعتوره خلط شديد فقد اجتاز ابن بطوطة آسيا الصغرى حتى وصل إلى سينوب («صنوب») على البحر الأسود ثم عبر البحر فنزل شبه جزيرة القريم عند ميناء كفا وهى فيودوسيا حاليا وكانت إذ ذاك من المستعمرات الجنوية بالبحر الأسود ، وفيها ولأول مرة فى حياته سمع ابن بطوطة صوت نواقيس الكنائس. أما ميناء القريم الرئيسية فكانت سوداق التى يعتبرها ابن بطوطة أحد المرافئ العالمية الخمسة الكبرى (إلى جانب الإسكندرية بمصر وكلم وقاليقوت بالهند والزيتون بالصين) (٨٥). وفى طريقه مر ابن بطوطة على سلخات (القريم القديمة) فجال فى جميع أنحاء القريم وروسيا الجنوبية ومن هناك بلغ أرض بلغار الفلجا (٨٦). ثم خرج من استراخان («حاجى طرخان») مع قافلة أميرة بيزنطية هى إحدى زوجات الخان أوزبك فبلغ القسطنطينية ومن هناك رجع مرة ثانية إلى مملكة الأوردو الذهبى فوصل إلى مقر الخان بمدينة سراى ، ثم عبر الفلجا فوصل إلى خيوه وغادرها إلى بخارى فأفغانستان ودخل الهند فى غرة المحرم من عام ٧٣٤ ه ـ ١٢ سبتمبر ١٣٣٣ ؛ ومنذ هذه اللحظة يبدأ الجزء الثانى من وصف الرحلة. وفى دلهى حظا ابن بطوطة بدرجة عالية من النفوذ لدى السلطان محمد بن طغلق الذى عينه فى منصب القضاء لمدة خمس سنوات (٨٧). وفى تلك الأثناء جهز السلطان سفارة إلى الصين كان من أعضائها ابن بطوطة ؛ ولم يوفق ابن بطوطة فى محاولته الوصول إلى الصين برا عن طريق قندهار فأبحر من قليقوت إلى جزر الملديف («جزائر ذيبة المهل») Maldives وهناك أمضى زهاء عامين شغل خلالهما مرة أخرى منصب القضاء وزار سيلان والبنغال («بنجالة») والهند الشمالية وأندونيزيا ،