التى رأى النور فيها لأول مرة فى يوم ٢٤ فبراير ٧٠٣ ه ـ ١٣٠٤ ؛ أما النسبة السابقة لها فتشير إلى أن أصله من قبيلة لواتة البربرية (ايلواتن بلغة البربر) التى انتشرت بطونها على طول ساحل أفريقيا حتى مصر (٨١). وبالبربر أيضا يرتبط اسم أسرته بطوطة الذى أثبت صحة نطقه بتشديد الطاء بصفة قاطعة المستشرق فيشرA.Fischer (٨٢) فى عام ١٩١٨ ولو أن هذا لم يجد طريقه إلى الدوائر العلمية إلا بصورة بطيئة. ولا علم لنا بسنى حياته الأولى ولا بسيرة حياته بوجه عام بخلاف ما ذكره هو عرضا فى سياق رحلته ؛ ويبدو أنه قد حصل على ما تيسر من العلم بمسقط رأسه مع ميل واضح إلى الفقه وفقا للمذهب المالكى السائد بشمال إفريقيا ؛ ولا شك أنه قد تمتع ببعض المعرفة فى هذا المجال فقد حدث له أن شغل فى خلال رحلته منصب القضاء وهو فى ريعان شبابه. غير أنه لا يخلو من غرابة أنه لم يخلف وراءه أى إنتاج أدبى ، إذ لم يرد فى كتاب الرحلة أو فى المصادر الأخرى ذكر ما لمؤلفات أدبية منسوبة إليه. وكان لابن بطوطة كغيره من المثقفين شعر جيد وكان يحب رفع قصائده إلى من شملوه برعايتهم. وقد كان الحافز له على الخروج فى تجواله هو نفس ذلك الحافز الذى لعب دورا كبيرا فى الأقطار الإسلامية وأعنى به الرغبة فى أداء فريضة الحج. وهو يروى ذلك بقوله :
«قال الشيخ أبو عبد الله كان خروجى من طنجة مسقط رأسى فى يوم الخميس الثانى من شهر الله رجب الفرد عام خمسة وعشرين وسبعمائة معتمدا حج بيت الله الحرام وزيارة قبر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام منفردا عن رفيق آنس بصحبته وركب أكون فى جملته لباعث من النفس شديد العزايم وشوق إلى تلك المعاهد الشريفة كان فى الحيازيم فحزمت أمرى على هجر الإناث من الأحباب والذكور وفارقت وطنى مفارقة الطيور للوكور وكان والدىّ بقيد الحياة فتحملت لبعدهما وصبا ولقيت كما لقيا نصبا وسنّى يومئذ ثنتان وعشرون سنة» (٨٣).
ويغلب على الظن أن ابن بطوطة كان ينوى أداء فريضة الحج فحسب ولم يدر بخلده أن عصا الترحال ستلقى به فى مختلف البلاد فلم يكتب له العودة إلى وطنه إلا بعد أكثر من ربع قرن. وخط سير رحلته معروف لنا منذ اللحظة الأولى لتحركه إلا أنه ليس من النادر أن ينقطع خيط الرواية أو يضطرب سياق العرض ، وهو على أية حال يسوقنا إلى لحظة عودته إلى أرض الوطن. ولعل الإطار الجاف الذى يحتوى قصة الرحلة يصف بصورة أبلغ من أى شىء آخر المدى الواسع الذى بلغه تجواله (٨٤) فقد بدأ تحركه من طنجة مارا فى طريقه على جميع المدن الكبرى بشمال أفريقيا حتى بلغ الإسكندرية ثم غادرها إلى دمياط فركب النيل إلى القاهرة التى كانت آنذاك تمر على فترة من الازدهار أيام عصر المماليك وأحدثت فى نفسه أثرا يماثل الأثر الذى أحدثته فى وقتها مصر الفاطمية على ناصر خسرو. ومن القاهرة تابع ابن بطوطة النيل إلى أسوان ومنها اتجه شرقا مخترقا الصحراء حتى بلغ مرفأ عيذاب على البحر الأحمر وهى الفرضة التى كانت تتجه منها السفن عادة إلى جدة ؛ غير أن سير السفن المصرية بالبحر الأحمر كان متوقفا آنذاك