ثم يتكلم فى صورة منفصلة عن «جبال البربر» بالأندلس (١). أما البلاد الواقعة إلى الجنوب من مصر فتدخل تحت اسم عام هو «بلاد السودان» وتشمل ستة ممالك آخرها الحبشة. وإلى الشمال من مصر يصف بلاد الروم (آسيا الصغرى) فى ذلك الجزء الذى كان لا يزال فى أيدى البيزنطيين ؛ وهو يغتنم هذه الفرصة ليقدم عرضا تاريخيا عن اليونان القدماء وعن البيزنطيين الذين خلفوهم مشيرا كمرجع له إلى كاتب من القرن الرابع الميلادى يدعى هروشيش الذى نقل عنه على ما يبدو فى رواية العمرى. ومن بين الشعوب والبلدان الأوروبية يدور الكلام على التوالى عن «الألمان» والبنادقة والجنويين و «رومية» وبلاد الفرنج (فرنسا) والجلالقة (غاليسيا) واللنبردية (لمبارديا). وإلى الشمال من القسطنطينية يرد ذكر شعوب القوقاز خاصة الچركس الذين كانوا يمدون مصر عادة بالمماليك ، وأيضا الآس وغيرهم. أما من سكان جنوب شرقى أوروبا فيرد ذكر البلغار والصرب والصقالبة والروس والباشقرد والبرجان ؛ وتتسم معلوماته من هذه الشعوب الأخيرة بالإيجاز كما وأنها لا تخلو من الاضطراب فى بعض مواضعها ، وبها ينتهى القسم الجغرافى.
ومن الواضح أن قيمة هذا القسم الجغرافى ، شأنه فى هذا شأن بقية الكتاب ، إنما تعتمد على المصادر التى يستعملها القلقشندى أكثر من اعتمادها على طريقة تبويبه للمادة. وكما أشرنا إلى ذلك أكثر من مرة فإن هذا المصنف يمثل قبل كل شىء مصنفا نقليا إلا أنه يجب أن نستدرك على هذا بقولنا إنه يضم مادة ضخمة جديرة بكل ما يليق بها من تقدير ؛ فهو بهذا يعد إلى حد ما مصنفا فريدا فى نوعه (٦٧). ويمكن تقسيم مصادره إلى مجموعتين كبيرتين تنتميان إلى مختلف المجالات والوثائق الرسمية ، وهو يشير إلى مصادره بالكثير من الدقة وكلما استدعت الحال ذلك (٦٨) ، كما أنه يعتمد عليها اعتمادا كليا لا من حيث المادة فحسب بل ومن حيث تبويبه لكتابه مقتفيا فى أغلب الأحيان أثر «التعريف» للعمرى. ويعتمد القلقشندى قبل كل شىء على آثار السابقين له فى المضمار الذى سلكه ، ونعنى بهذا أولئك الخبيرين بالإنشاء والعمل الدواوينى من جهة ورجالات الأدب من جهة أخرى. وبفضل كتابه هذأ أصبح من اليسير تقصى مدى تطور هذا الفن فى الأدب العربى الأمر الذى أسهم فيه المستشرق بيوركمان ببحثه الذى أشرنا إليه. بيد أن القلقشندى قد أفاد إلى حد كبير أيضا من جميع فروع الأدب الأخرى الحافلة التى اعتبرها ذات أهمية بالنسبة للكاتب. وقد تبين أن عدد مصادره فى هذا الصدد كبير بشكل ملحوظ ، قام بتلخيصها لنا بيوركمان (٦٩) بدرجة تقرب من الكمال وليس ثمة ما يدعو إلى الوقوف عندها بالتفصيل ؛ غير أن العرض السريع لمصادر القسم الجغرافى أمر هام بالنسبة لنا لما يلقيه من ضوء على تطور الأدب
__________________
(*) يبدو أن ثمة خلط وجد طريقه إلى المتن الروسى فقد جاء فى كتاب القلقشندى ما نصه : «المملكة الخامسة من بلاد المغرب جبال البربر ؛ المملكة السادسة من ممالك المغرب جزيرة الأندلس». أى أنه لم يدخل «جبال البربر» فى الأندلس كما يفهم من المتن الروسى. (المترجم)