السفن ، وفى استعمال الإشارات النارية. وليس من العسير أن نبصر فى هذا التبويب اقتفاء القلقشندى لأثر كتاب «التعريف» للعمرى بل إنه يطبق فى بعض الأحيان ترتيبه وتبويبه بحذافيره ، وسيزداد اقتناعنا بقوة الصلة التى تربط بين هذين المصنفين فى جوانب أخرى كلما أو غلنا فى دراسة المصادر التى استقى منها القلقشندى.
ونلتقى على طول هذا الكتاب بمعلومات جغرافية متنوعة للغاية وتختلف باختلاف الموضوعات التى يتناولها بالبحث. وإلى جانب هذا فإن المؤلف قد أفرد المقالة الثانية من كتابه بأجمعها للجغرافيا وحدها ؛ وهى تمثل فى الحقيقة عرضا تاريخيا جغرافيا مستقلا (٦٢) تحتل مركز الصدارة فيه مصر المملوكية ويدور العرض جميعه حولها. وفى بداية هذه المقالة ترد المعلومات التقليدية التى لا تتغير عن شكل الأرض على سبيل الإجمال ، ويلى هذا عرض تاريخى قصير للخلافة مع اهتمام بالجوانب التى انتعشت بشكل خاص فى مصر المملوكية كشعائر الخلافة ونظمها ومراسيمها. أما القسم الخاص بالجغرافيا بمفهومها الضيق من هذه المقالة والذى يبدأ بوصف مفصل للديار المصرية (الجزء الثالث ابتداء من صفحة ٢٨٢ وكذلك الرابع إلى صفحة ٧١) فيعد من أهم أقسام الكتاب ولا يزال يقف حتى الآن فريدا فى بعض نواحيه (٦٣). وكان المستشرق قستنفلدWüstenfeld قد قام بعرضه بطريقة موجزة فى عام ١٨٧٩ إلا أن ذلك العرض الذى يعد مجهودا مقدرا بالنسبة لعصره والذى لعب آنذاك دورا لا ينكر قد أصبح الآن فى حاجة إلى فحص جديد على ضوء الطبعة التى ظهرت للمتن وبسبب ما تجمع من مواد علمية فى خلال هذه الفترة (٦٤). والقلقشندى يولى أهمية خاصة فى هذا القسم لمصر الفاطمية والأيوبية كما أنه قد اهتم بالطبع بالعصر المملوكى الذى عاش فيه. وبنفس طريقته المفصلة يعالج الحديث فى وصف الشام ؛ ووصفه هذا معروف لنا جيدا بفضل الدراسة المتقنة التى ندين بها لغو دفرواديمومبين (١٩٢٣). ويلى هذا وصف الحجاز لوقوعه آنذاك فى دائرة نفوذ مصر.
وتبرز فى المكانة الأولى من بين البلاد التى لا تخضع لسلطان المماليك «ممالك بيت جنكيز خان» أى أراضى إمبراطورية المغول التى يقسمها إلى مملكتين كبيرتين هما مملكة إيران ومملكة توران ؛ وفى القسم الخاص بالمملكة الثانية يقدم لنا معطيات هامة عن دولة الأوردو الذهبى ، وقد أصبح قسم منها فى متناول الأيدى منذ عهد تيزنهاوزن (٦٥). ثم يعود القهقرى للكلام عن بلاد العرب فى أجزائها شبه المستقلة أى التى لا تمثل قسما من الإمبراطورية المصرية ، فيتكلم عن اليمن والساحل الشرقى بما فى ذلك عمان ويضم إلى هذا وصفا مفصلا للهند (الجزء الخامس ، الصفحات من ٦١ إلى ٩٨) حدث وأن أفرد له المستشرق اشبيس Spies بحثا خاصا منذ عهد غير بعيد (١٩٣٦) (٦٦). ثم يلى هذا وصف منظم للبلدان الواقعة إلى الغرب من مصر وإلى الجنوب والشمال منها ؛ فالمجموعة الأولى تبدأ بتونس ويليها المغرب «الأوسط» وقصبته تلمسان ثم المغرب «الأقصى» المسمى ببر العدوة والذى تمثله الآن مراكش ؛