أن المادة التاريخية فيه هى بوجه عام تكرار لما جاء فى مصنف أبى الفدا ، هذا بينما تمثل المادة الجغرافية أهمية خاصة لأن المؤلف استقاها من المؤلفين السابقين كما استقاها أيضا من الوثائق الرسمية وروايات المعاصرين له (٤٦). وهو بوجه عام على معرفة جيدة بمجريات الحوادث فى حوض البحر الأبيض المتوسط ، فمادته التى يقدمها مثلا عن مسلمى جزيرة بانتلارياPantellara قد أيدتها الوثائق الدبلوماسية التى تم الكشف عنها فى القرن التاسع عشر ؛ أما فيما يتعلق بجزيرة صقلية فإن العمرى لم يقف عند مصنف الإدريسى وحده بل رجع أيضا إلى مصنف مجهول بالنسبة لنا عن عهد النورمان (٤٧). وأما إيطاليا كما وردت فى «مسالك الأبصار» فإن وصفه لها يعتمد فى الغالب على الإدريسى ، وهو يورد تعدادا للمدن الرئيسية بإيطاليا موزعة وفقا للأقاليم والمناطق ويتناول بعضها بالوصف (٤٨). وإلى جانب هذا فقد تسرب إلى كتابه الوصف الأسطورى القديم لمدينة رومة والذى يتكرر فى صورته التقليدية الأدبية عند عدد كبير من الكتاب على ممر القرون (٤٩). وفى هذا الصدد تجدر الإشارة إلى مصدر آخر من مصادر العمرى فريد فى نوعه وهو شخص من أهل جنوا يدعى دومينيك دورياDominic Doria كان قد سيق أسيرا إلى الشرق وعرف هناك باسم بلبان الجنوى وكان من مماليك الأمير المملوكى بهادور المعزى (توفى فى عام ٧٣٩ ه ـ ١٣٣٩) (٥٠) ؛ أما فى الوسط العلمى الروسى فقد اجتذب هذا الجنوى اهتمام العلامة سرزنفسكى Srezneveski فذكره فى كتابه الذى أفرده لرحلة افناسى نيكتين Afanasi Nikitin (١٨٥٦) (٥١). ويبدو أنه كان شخصا واسع المعرفة لأن العمرى قد أخذ عنه فكرة جيدة عن عدد من البلاد والشعوب الأوروبية ؛ وهو يذكر مثلا أن الدور الرئيسى فى ذلك العصر كانت تلعبه فرنسا وأن ملك أسبانيا كان أشبه بنائب لملك فرنسا ؛ وهو يعلم أن الألمان أقوياء فى البر وحده. ولا شك أن هذا الجنوى قد زار بروقنس أيضا كما أنه يورد معلومات وافرة عن لومبارديا وصقلية والبندقية وبيزا وفلورنسه وقطلونيا ، وعن جنوه بشكل خاص لأنه يفصل القول عن تجارتها مع المشرق بصورة تدل على معرفته العميقة بهذا الموضوع. هذا وقدأ لقت به الأقدار فى ظروف معينة إلى آسيا الصغرى التى يعتبر وصفه لها من أقيم فصول كتاب العمرى (٥٢) خاصة تلك التفصيلات التى يوردها عن بلاد القرمان وطربيزون (٥٣) ؛ ويبدو أنه لم يزر القسطنطينية لأن وصف العمرى لها لا يرد بألفاظه (٥٤). أما روايته عن القاهرة والشام فإنها تحمل على الاعتقاد بأن ذلك الجنوى الذى جاب الآفاق قد عرفهما معرفة مباشرة ؛ وفيما يتعلق بالصليبيين فإن العمرى كان إلى جانب ما زوده به الجنوى من معلومات يتصرف أيضا فى مادة غنية ومتنوعة.
وفى مقابل هذه الروايات التى يوردها عن الغرب فإن من الطريف أن نقدم مثالا لما يقوله عن الشرق الأقصى. فقد أثبتت الدراسة التى عملها شيفير للأقسام المتعلقة بالصين (٥٥) أنه يجب ألا نعتبر. العمرى بالنسبة لهذه الأصقاع نقالة فحسب يكتفى بتسجيل ما وصل إليه عن طريق الصدفة ؛ وهو يقدم لنا فيما