الجزء الأول (عام ١٩٢٤) ؛ غير أنه بفضل ما تم نشره من أقسامه المختلفة سواء من المتن نفسه أو فى ترجمات (أفريقيا الشمالية وأوروبا الغربية والأناضول ودولة الأوردو الذهبى والصين) فقد صار من المستطاع تكوين فكرة عن الهدف الأساسى للمؤلف وهو أن يضع موسوعة تاريخية جغرافية جامعة لا تقوم على أساس علمى صرف بل على أساس أدبى عريض.
والمؤلف رجل نقالة جامع لصنوف العلوم وموسوعى (Encyclopaedist) ولكنه يتميز بالقليل من الأصالة ؛ وهو يعوض هذا النقص باطلاعه الواسع. وقد هيأ له عمله الحكومى الاطلاع على الوثائق كما أن مصادر أخباره ومعلوماته متعددة للغاية مما مكنه من إخراج لوحة مفصلة فى وصف العالم المعاصر له. وهو قد قصد من مؤلفه هذا قبل كل شىء إلى وضع مرجع جامع من أجل كتبة الدواوين كما هو الشأن أيضا مع كتابه «التعريف» ، إلا أن هذا الأخير لا يرتفع من الناحية الأدبية إلى درجة «المسالك» ؛ كما أن الاختلاف بين المصنفين لا يقوم فى جوهره على أساس أن «التعريف» إنما يحوى أرقاما أكثر فحسب أو أن «المسالك» يتضمن مادة جغرافية أكثر كما دلل على ذلك هارتمان (٤٣) ، بل أيضا فى أن منهج العرض فى الكتابين مختلف للغاية. «فمسالك الأبصار» يمكن أن يسد مسد كتاب عام للمطالعة لا من أجل الكتاب وحدهم بل وأيضا من أجل الأدباء بوجه عام ؛ ووضع كتاب كهذا يستلزم وفرة فى الذوق الأدبى وقدرا معلوما من الملكة النقدية ، وهما شيئان ضرب فيهما العمرى بسهم كبير ولو أنه يجب ألا يدهشنا منه تصديقه للمعتقدات السائدة فى عصره والتى لم تكن قد اطرحت بعد. وهو يطبق أحيانا المنهج العلمى بطريقة بدائية ولكنه على أية حال يفعل ذلك بالكثير من الأصالة ، ففى موضع من كتابه يقول : «ونأخذ فى هذا الباب على التحرير فى أكثر ما عرفنا ، والتحقيق لأكثر مما نعرف بتكرار السؤال واحدا بعد واحد عما يعلمه من أحوال بلاده وما فيها وما اشتملته عليه فى الغالب نواحيها ، وكنت أسأل الرجل عن بلاده ثم أسأل الآخر والآخر لأقف على الحق. فما اتفقت عليه أقوالهم أو تقاربت أثبته ، وما اختلفت فيه أقوالهم أو اضطربت تركته ، ثم إنى أترك الرجل المسئول مدة أناسيه فيها عما قال ثم أعيد عليه السؤال عن بعض ما كنت سألت ، فإن ثبت قوله الأول أثبت مقاله وإن تزلزل أذهبت فى الريح أقواله ، كل هذا لأتروى فى الرواية وأتوثق فى التصحيح (٤٤)».
وقد أحس العمرى بالمطالب الأدبية لعصره إحساسا مرهفا لذا فإن كتابه لا يمثل موسوعة تاريخية جغرافية فحسب بل وأيضا مجموعة كبيرة من المنتخبات الشعرية تضم بوجه خاص الأشعار المرتبطة بالمواضع المشهورة (٤٥) ؛ وكما هو معروف فإن هذا العنصر قد لعب دورا ليس بالضئيل فى المعاجم الجغرافية المختلفة خاصة معجم ياقوت. وإذا كانت موسوعة العمرى لا تخلو من الطرافة كمصنف أدبى قائم بذاته فهى أيضا معين لا تنضب مادته فيما يتعلق بمختلف الأقطار ، ولا يسعنا فى هذا المجال إلا أن نكتفى بإيراد نماذج معينة منه. فأمارى Amari عند فحصه للقسم الخاص بصقلية وإيطاليا قد أثبت