يكون أنموذجا فى فن الكتابة فقد أصبح بفضل المنهج الذى اتبعه المؤلف مصدرا هاما بالنسبة للتاريخ والجغرافيا التاريخية. ويرجع تأليفه إلى الفترة التالية لعام ٧٤١ ه ـ ١٣٤٠ يوم كان المؤلف يتمتع بخبرة واسعة فى فن الإنشاء ؛ وعنوانه «التعريف بالمصطلح الشريف» يحدد بدقة الغرض الرئيسى من الكتاب. وينقسم الكتاب إلى سبعة أقسام الأول منها فى رتب المكاتبات والثانى فى عادات العهود والتقاليد والتفاويض والتواقيع والمراسيم والمناشير والثالث فى نسخ الإيمان والرابع فى الأمانات والدفن والهدن والمواصفات والمفاسخات والخامس فى نطاق كل مملكة وما هو مضاف إليها من المدن والقلاع والرساتيق والسادس فى مراكز البريد والحمام ومراكز هجن الثلج والمراكب المسفرة به فى البحر والمناور والمحرقات والسابع فى أوصاف ما تدعو الحاجة إلى وصفه (٣٩). والعلماء الذين توفروا بصورة خاصة على دراسة هذا الأثر مثل هارتمان Hartmann وغودفروا ديمومبين G Demombynes يقدورنه تقديرا كبيرا سواء فى تفاصيله أو فى مجموعه. وتحليل المقالتين الخامسة والسادسة المفردتين لمصر والشام ولوسائل المواصلات فى دولة المماليك يبين بجلاء الأهمية الكبرى لهذا الأثر من الناحية العملية ودقة المعلومات التى يشتمل عليها ، وهو أمر يجب ألا ندهش له إذ أن معظم هذه المعلومات لا تستند على الوثائق الرسمية فحسب بل وعلى معرفة المؤلف المباشرة بمعظم الوقائع. ومما يسترعى النظر أن المؤلف استطاع فى مثل هذا المصنف الجاف بطبيعته أن يرتفع إلى مستوى راق فى العرض الأدبى من غير أن يفقد فى ذات الوقت النظرة الشاملة إلى موضوعه. وقد كان لمعرفته الجيدة بأسرار البلاغة وتملكه بجدارة لناصية اللغة العربية أن تجنب بمهارة فائقة الإطالة والإسهاب وحصر اهتمامه فى الجوهرى ، الأمر الذى يميزه عن الكثيرين ممن كتبوا فى العصور التالية لذلك رغما من أن أسلوبه لم يكن يتصف على الدوام بالسهولة. والترتيب المنطقى لمادة كتابه يجعل من هذا المصنف مصدرا حافلا لدراسة مختلف الموضوعات (٤٠) خاصة الجغرافية والتاريخية ؛ وبعد أن نفحص مصنف خليل الظاهرى الذى ألف كتابه بعد قرن من هذا سيستبين لنا بجلاء البون الشاسع الذى يفصل بين العمرى وبين أولئك الذين اقتفوا أثره فعالجوا نفس الموضوعات التى كتب فيها. ويبدو أن كتابه كان مرغوبا فيه للغاية ففى نهاية القرن الثامن الهجرى (الخامس عشر الميلادى) قام بتنقيحه والزيادة عليه اثنان من أفراد أسرة المحبى الشامية المعروفة باشتغالها بالعلم وذلك بعنوان «تكثيف التعريف بالمصطلح الشريف» (٤١). وبفضل المخطوطة الموجودة لدينا بمعهد الدراسات الشرقية فقد أصبحت هذه الرواية المعدلة للكتاب معروفة لدى المستشرقين الروس ولفت تيزنهاوزن الأنظار إلى أهميتهما بالنسبة لتاريخ الأوردو الذهبى (٤٢).
أما موسوعة العمرى فإنها تعادل من حيث الضخامة موسوعة النويرى ويبلغ عدد أجزائها السبعة والعشرين جزءا موزعة بين دور المخطوطات المختلفة ؛ ولكن الموسوعة فيما يبدو كانت تتألف من اثنين وثلاثين جزءا كما أثبت ذلك أحمد زكى باشا الذى استطاع بمجهوده الشخصى أن يجمع نسخة