فى سبيل جمع نسخة كاملة من هذا الكتاب فى واحد وثلاثين جزءا البعض منها فى الأصل والبعض الآخر مصور من مخطوطات استنبول والمكتبات الأوروبية (٢٩). هذا وقد وصلت الطبعة التى بدأئها دار الكتب المصرية فى عام ١٩٢٣ إلى الجزء الثانى عشر (١) الذى ينتهى به الفن الرابع ؛ أما الأجراء الباقية فتحتوى على القسم التاريخى. وبهذا أصبح من الممكن تقدير هذا الأثر الجليل لعهد المماليك تقديرا أساسيا يتفق مع أهمية الكتاب الكبرى بالنسبة للأدب الجغرافى ولجميع تاريخ حضارة ذلك العهد.
ويظفر بأهمية أكثر منه بالنسبة لنا مصنف معاصره العمرى (٧٠٠ ه ـ ٧٤٩ ه ـ ١٣٠١ ـ ١٣٤٩) وإن لم تبلغ سمعته فى الدوائر العلمية سمعة النويرى (٣٠). واسمه الكامل وهو شهاب الدين أحمد بن يحيى ابن فضل الله العمرى الدمشقى يدلنا على أنه خلافا للنويرى لا ينتمى من ناحية الميلاد إلى مصر ؛ ويرتفع نسب أسرته إلى عمر بن الخطاب وهو أمر تشكك فى صحته أحيانا بعض من لا بحبون الخير للناس ؛ أما أجداده الأقربون فقد استقروا منذ بعض الوقت فى البرلس بمصر السفلى (٣١) ولكنهم كانوا يحسون على الدوام بأنهم أكثر ارتباطا بدمشق (٣٢) منهم بمصر فاحتفظوا باسم الدمشقى كنسبة أساسية ؛ وبدمشق ولد العمرى ولكنه شب وتعلم بمصر. وقد ربطته تقاليد أسرته كما هو الحال مع النويرى بعمل الدواوين ؛ وكما يذكر المقريزى فإن أسرته قد تولت رئاسة ديوان الإنشاء بمصر مدة قرن من الزمان تقريبا (٣٣). وإلى جانب ممارسته للكتابة يوميا فقد تتلمذ العمرى على أساتذة مبرزين فى مختلف فروع العلوم ومعروفين بسعة الأفق نذكر من بينهم برهان الدين بن الفركاح الذى يتصل نشاطه العلمى بالجغرافيا أيضا والذى سيرد ذكره حين الكلام على جغرافيا فلسطين فى ذلك العهد ؛ كما تتلمذ على أحد علماء البلاغة وهو شهاب شهاب الدين الحلبى (٣٤). وعلى أية حال فإن العمرى لم يتخذ العلم مهنة له وقد شغل حينا من الوقت وظيفة قاض بمصر وخلف أباه فى رئاسة ديوان الإنشاء فى عهد السلطان الناصر ؛ وفى عام ٧٣٨ ه ـ ١٣٣٨ كان عضوا فى بعثة الحج المصرية (٣٥). ولم تلبث حدة طباعه أن ساقته إلى النزاع مع ولى نعمته فأمضى الأعوام الأخيرة من حياته بدمشق أشبه بالمغضوب عليه (٣٦) وبها توفى فى سن مبكرة لا بسبب الوباء الذى وقع بالشام آنذاك بل من الربء ??? Quartenfieber (٣٧).
ولما كان العمرى يتمتع بثقافة عريضة وذوق أدبى مرهف فقد وقاه هذا من ضيق الأفق الذى يسوق إليه الوسط الدواوينى الذى أمضى فيه كل حياته. وهو لم يكن ناثرا فحسب بل وكان شاعرا أيضا ؛ وتنسب إليه المصادر المختلفة ما يقرب من أحد عشر مصنفا (٣٨). وإلى جانب موسوعته الكبرى العديدة الأجزاء يمثل أهمية خاصة بالنسبة للأدب الجغرافى سفر جامع متوسط الحجم قصد به العمرى عرض كل ما يحتاج إليه فى عمل الدواوين وذلك بالمعنى الضيق لهذا اللفظ. وعلى الرغم من أنه قد قصد به أن
__________________
(*) كان ذلك فى اللحظة التى دون فيها المؤلف هذه السطور ، أما الآن أى فى عام ١٩٦٣ فإن الطبعة قد وصلت إلى الجزء الثامن عشر (١٩٥٥). (المترجم)