يهودية من همدان ، ولم تلبث مهنته أن قربته من بلاط الحكام المغول ايلخانات الفرس منذ عهد آباقا خان وظل محتفظا بهذا النفوذ حتى كان فى واقع الأمر الوزير الأول فى عهد غازان والجايتو ؛ ولكن بوفاة الايلخان أو لجايتو سقط رشيد الدين فريسة لدسائس أعدائه الذين استغلوا فيما استغلوا حقيقة أصله اليهودى فلم يلبث أن نفذ فيه حكم الإعدام فى عام ٧١٨ ه ـ ١٣١٨. هذا الأثر الكبير الذى استعان فيه رشيد الدين بخبرة عدد من العلماء ، وهو شىء جر عليه وقتا ما تهمة السرقة الأدبية ، بدأ تأليفه فى حوالى عام ٧٠٠ ه ـ ١٣٠٠ وفرغ منه فى عام ٧١٠ ه ـ ١٣١١ ؛ وهو يتألف فى صورته المعروفة لنا من جزئين أفرد الأول منهما لتاريخ المغول ويتكون بدوره من قسمين يحتوى الأول منهما على تاريخ القبائل التركية والمغولية مع تفاصيل مسهبة عن فروعهم وأنسابهم وأساطيرهم ، بينما يحتوى الثانى على تاريخ المغول منذ جنكيز خان إلى غازان. أما الجزء الثانى فيمثل شيئا أشبه بالتاريخ العام وهو معروض أيضا فى قسمين يشغل الأول منهما تاريخ إيران القديمة بينما يبدأ الثانى بتاريخ محمد فالخلفاء إلى عام ١٢٥٨ ويضم قطعا خاصة عن الدويلات الفارسية وعن الإسماعيلية ومعلومات حول كفاح البابا ضد الأباطرة ؛ وفى الفصل الأخير المتعلق بالهند يعطى تحليلا خاصا لبوذا ولتعاليمه. وكما لاحظ عدد من البحاثة (٨٩) فإن هذا المصنف لا مثيل له فى تعدد مصادره واتساع أفقه ، بحيث لا نلتقى بمصنف مثله لا فى هذا العصر ولا فى العصور التالية يعالج تاريخ العرب والفرس باعتباره «جدولا من الجداول العديدة التى تصب فى بحر التاريخ العالمى» ويجهد فى تبويب مادته من وجهة النظر هذه.
ولا يزال موضعا للنزاع القول بوجود جزء مخصص للجغرافيا فى هذا المؤلف الضخم ؛ وعلى الرغم من أن رشيد الدين يتحدث فى شىء من التفصيل فى مقدمة سفره عن مضمون كتابه ، وعلى الرغم أيضا من أن بعض الكتاب الفرس يشيرون إلى وجود هذا الجزء إلا أن أكثر العلماء يفترض سلفا أن هذا الجزء كان مجرد أمنية لم يكتب لها التحقيق ؛ وعلى هذا كان رأى بارتولد (٩٠). وفى الآونة الأخيرة جنح العلامة أحمد زكى وليدى إلى القول بأن هذا القسم قد وجد بالفعل (٩١) ؛ وعلى أية حال فإنه لم يتم الكشف عنه حتى الآن (١). هذا وقد تعرض كتاب رشيد الدين لعدد من الأبحاث لا مثيل له ، تحتل من بينها الأبحاث الروسية مكانة مرموقة ؛ وجميع هذه الأبحاث تقدم لنا فكرة متكاملة الجوانب عن كل المسائل المتعلقة بالكتاب. وهو وإن اعتبر من ناحية امتدادا للمذهب العربى إلا أنه يقدم لنا من نواح أخرى مواد نادرة جدا فى محيط الأدب الجغرافى الإسلامى ترتفع إلى مصادر أوروبية بل وشرقية غير إسلامية (٩٢).
هذا وقد خضع لتأثير رشيد الدين القوى معاصره حمد الله مستوفى قزوينى وانعكس ذلك بوضوح
__________________
(*) لقد تم الآن الكشف عن هذا القسم وذلك ضمن مخطوطة تحوى جميع مصنفات رشيد الدين «جامع التصانيف رشيدى» ، وهى المخطوطة الفارسية رقم ص ٣٧٥ الموجودة بمعهد الدراسات الشرعية التابع لأكاديمية العلوم السوفيتية. (المترجم)