ودى سلان De Slane فى عام ١٨٤٠ مصحوبا بمقالة ضافية فى سيرة حياة أبى الفدا وعن مصنفه (٨٥) ؛ وأعقب ذلك فى عام ١٨٤٨ ظهور القسم الأول من الترجمة بقلم رينو ومقدمة عامة فى علم الجغرافيا لدى المشارقة تمثل فى حد ذاتها أثرا مستقلا بنفسه (٨٦). وقد أتم الترجمة غيارGuyard بعد خمسة وثلاثين عاما من ذلك التاريخ وظهرت هذه التتمة فى عام ١٨٨٣ (٨٧). وكان سير العلم قد تقدم بشكل محسوس منذ أن بدأ تنفيذ هذه الفكرة لذا فإن غيار أورد فى مقدمته لترجمة القسم الثانى قائمة بأسماء الطبعات والأبحاث المختلفة التى ظهرت فى هذه الفترة والتى عدلت كثيرا من موقف العلماء إزاء أبى الفدا فى الثلاثينيات والأربعينيات من ذلك القرن بحيث بدا هذا المشروع لدى علماء الثمانينيات وكأنه قد عفى عليه الزمن وذلك بسبب ظهور طبعات لآثار أهم بكثير من مصنف أبى الفدا.
غير أن هذا لا يقلل فى شىء من قيمة الترجمة فى حد ذاتها ، فهى تمثل إحدى الترجمات القيمة فى هذا الميدان وستظل على الدوام محتفظة بأهميتها لأنها تقدم لنا فى صورة متكاملة مصنفا قائما بذاته لعب دورا ليس بالصغير فى تطور العلوم عند العرب وغير العرب. أما المقدمة العامة لرينو Introduction Générale äla Géographie des Orientaux. Paris, ٨٤٨١ فإنها تتمتع بأهمية استثنائية كما حدث وأن بينا ذلك فى مقدمة كتابنا هذا ؛ لا لأنها كانت البحث الرئيسى للتعريف بأبى الفدا وجغرافيته على ممر قرن من الزمان بل لأنها ظلت عشرات من السنين الدراسة العامة الوحيدة فى تاريخ الجغرافيا العربية (ويصدق هذا بعض الشىء على الفارسية والتركية) ولم يحل محلها حتى الآن أى بحث آخر (١). وعلى الرغم من التقدم الذى أحرزه العلم فى الفترة التى مرت منذ ظهور المقدمة وعلى الرغم أيضا من التغير التام الذى طرأ على الصورة العامة فى بعض الفترات التاريخية وفى بعض الجوانب فإن هذا الأثر لا يزال على وجه التقريب المرجع الأساسى للتعريف بجميع الآثار الجغرافية العربية هذا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الفترة التى انقضت منذ تأليفه. ويرتبط بهذه «المقدمة العامة» على الدوام اسم أبى الفدا الذى كان حافزا ولو بطريق غير مباشر على ظهور هذا الأثر العلمى الذى يعتبر من أبرز منتجات الاستعراب الأوروبى. وكما أسلفنا فى مرات عديدة فإن الأدب الجغرافى فى هذا العصر لم يجد تربة خصبة فى المناطق الواقعة إلى الشرق من الشام ، ولكن فى مقابل ذلك بلغ الأدب الجغرافى باللغة الفارسية أوجه فى هذا العصر بالذات. ويتبين لنا هذا من خلال فحص مصنف رشيد الدين المشهور «جامع التواريخ» الذى وإن كان فى جوهره أثرا تاريخيا صرفا إلا أنه يمكن اعتباره بنفس القدر مصنفا فى الجغرافيا التاريخية أيضا (٨٨). وكان أبو الفضل رشيد الدين طبيبا فى الأصل وقد ولد حوالى عام ٦٤٥ ه ـ ١٢٤٧ فى أسرة
__________________
(*) إن كتاب نفيس أحمد الباكستانى الذى وضعه باللغة الإنجليزية والذى تم تعريبه فى الآونة الأخيرة لم يستطع أن يشغل المكانة التى احتلها مؤلف رينو ، ومصداق هذا أن جماعة من العلماء الهنود قد قامت بنقل مصنف رينو إلى اللغة الإنجليزية منذ وقت غير بعيد ؛ أما الآن وبظهور كتاب كراتشكوفسكى فإنه يمكن القول بأنه قد ظهر فعلا كتاب يحل محل مقدمة رينو التى عفى عليها الزمن. (المترجم)