عنده من قبل الخلط فى القسم الخاص بالهند ، من ذلك روايته التى ينقلها عن ابن سعيد والتى يزعم فيها خطأ أن البيرونى أصله من مدينة هندية (٧٢) وهى رواية لا تزال تتردد من آن لآخر إلى أيامنا هذه (١) ؛ كما يلاحظ لديه أيضا بعض التخبط فى معلوماته عن الصين والتى استقاها من مصادر مختلفة (٧٣)
وجميع هذه التفاصيل تتكشف بوضوح فور الفحص الدقيق لكل قسم من الأقسام المختلفة لكتاب أبى الفدا ؛ وكتابه بوجه عام مصنف تام مكتمل يمتاز بأصالة التبويب وبالوضوح فضلا عن أنه تمتع برواج كبير سواء بين الأجيال القريبة من المؤلف أو التالية له (٧٤). وقد لخصه الذهبى (٧٥) معاصره الأصغر سنا منه (توفى فى عام ٧٤٨ ه ـ ١٣٤٧) كما نال حظوة كبرى لدى الأتراك فرتبه فى القرن السادس عشر سپاهى زاده (توفى عام ٩٩٧ ه ـ ١٥٨٨) على حروف المعجم باللغة العربية وزاد عليه وأخرجه بعنوان «أوضح المسالك إلى معرفة البلدان والممالك (٧٦)» ، وتوجد منه مخطوطة بمعهد الدراسات الشرقية بليننغراد (٧٧) كان قد درسها المستشرق دورن Dorn (٧٨) ؛ ولم يقف سپاهى زاده عند حد إعادة صياغة المصنف بالعربية بل ترجم شذورا منه إلى التركية ؛ أما فى إيران فقد خضع لتأثيره محمد صادق الأصفهانى من مؤلفى القرن السابع عشر (٧٩).
وقد حدث هذا فى اللحظة التى عرفت فيها أوروبا أبا الفدا معرفة ليست أقل من معرفة الشرق به (٨٠) ؛ وفى الواقع إنه لم يفقه فى الشهرة هناك إلا مصنفان فى اللغة العربية بأجمعها هما القرآن و «ألف ليلة وليلة». ويمثل كتابه واحدا من أوائل المصنفات التى ترجمت عن اللغة العربية ؛ وحاز التقدير كما يقول أمارى «لأسلوبه المتزن ونقده القويم» (٨١). وقد ورد ذكره منذ منتصف القرن السادس عشر (فى عام ١٥٦١) لدى المستشرق الفرنسى بوستل Postell الذى يعد فى الرعيل الأول من بين المستشرقين. وفى القرن التالى لذلك شغل كثيرا بدراسته المستشرق الألمانى شيكارت Schickardt (١٥٩٢ ـ ١٦٣٥) ، ثم لم تلبث أن وجدت نسخة من المصنف ، لا الترجمة وحدها (٨٢) ، طريقها إلى مكتبة باريس (٨٣). وعقب ذلك بقليل (١٦٥٠) وضع المستشرق والفلكى الإنجليزى غريفزGreaves أو غرافيوس Gravius (١٦٠٢ ـ ١٦٥٠) اللبنة الأولى فى دراسة هذا الأثر دراسة نقدية بنشره لقسم من الكتاب (٨٤) ؛ وفى القرن الثامن عشر ظهرت إلى جانب دراسات لبعض نقاط الكتاب ترجمة كاملة له (١٧٧٠ ـ ١٧٧١) بقلم المستشرق رايزكه Reiske (١٧١٦ ـ ١٧٧٤) وهى ترجمة يغلب عليها مع الأسف طابع الاستعجال ؛ ثم لم يلبث أن توج كل هذا المجهود الكبير بظهور الطبعة والترجمة اللتين بدأ العمل فيهما فى بداية الثلاثينيات من القرن الماضى تلامذة المستشرق الكبير دى ساسى بايعإز منه وتحت توجيهه ؛ ولا يزال هذا العمل حتى أيامنا هذه من أبرز ما أنتجه الاستشراق الفرنسى. وقد ظهر المتن الذى قام بإعداده رينوReinaud
__________________
(*) بين أحد العلماء الهنود المعاصرين أن مصدر هذا الخطأ يرجع إلى أبعد من ذلك وهو كتاب «نزهة الأرواح» لشمس الدين الشهرزوت الذى تم تأليفه بين عامى ١١٩٠ و ١٢١٤. (المترجم)