وأهميتها الجغرافية أو تبعا للمادة التى كانت تحت تصرف أبى الفدا عنها. أما الجزء الثانى لكل منطقة فيمثل جدولا يقدم رسوما بيانية متتالية تحتوى على أسماء البلاد والنقاط المأهولة فيها والمصدر الذى اعتمد عليه أبو الفدا فى تحديد طولها وعرضها والإقليم الفلكى والجغرافى الذى تنتمى إليه ، هذا مع بيان الأسماء بدقة من جهة الإملاء وتقديم وصف عام للمدن (٦٣). وأبو الفدا أول من اتبع نظام الجداول فى علم الجغرافيا وهى خطوة لا تعتبر شيئا أصيلا إذ من الطبيعى أن نفترض منذ البداية أن أبا الفدا قد استعار فكرة الجداول من الزيجات التى كان يعرفها معرفة جيدة. غير أن أبا الفدا نفسه يذكر صراحة (٦٤) أنه قد سار على نهج الطبيب يحيى بن جزله (توفى عام ٤٩٣ ه ـ ١١٠٠) (٦٥) الذى وزع الأمراض فى مصنفه الشعبى «تقويم الأبدان» على هيئة جداول وفقا للنماذج الفلكية. وربما تقودنا هذه الملاحظة الأخيرة الى التفكير فى أن الاثنين قد رجعا إلى مصدر مشترك ، غير أن أبا الفدا يذكر بصراحة أنه أخذ تلك الطريقة عن الطبيب بما فى ذلك عنوان الكتاب نفسه.
والمصادر المدونة التى اعتمد عليها أبو الفدا معروفة لنا على وجه العموم لأنه كان من عادته الإشارة إلى مصادره بدقة (٦٦) ؛ ففيما يتعلق بالأدب الكلاسيكى للقرن العاشر اعتمد أبو الفدا أساسا على الإصطخرى وابن حوقل ؛ ومن بين المتأخرين اعتمد على الإدريسى الذى عرفه لا فى كتاب «نزهة المشتاق» وحده بل وفى مصنفه الثانى الذى لم يصل إلينا (٦٧) ؛ كذلك استعمل معجم ياقوت وجغرافيا ابن سعيد ؛ ومخطوطة هذا المصنف الأخير التى اطلع عليها أبو الفدا محفوظة الآن بباريس (٦٨). أما من بين المؤلفين الذين فقدت مصنفاتهم بالنسبة لنا فتحتل أهمية خاصة الفقرات العديدة التى نقلها عن المهلبى جغرافى العهد الفاطمى ، والتى تساعد على تكوين فكرة عن مؤلفه الجغرافى (٦٩). وقد وجه أبو الفدا اهتمامه كما هو معروف إلى الجغرافيا الوصفية ، إلا أن الجغرافيا الرياضية تحظى كذلك بمكانة كبيرة فى كتابه إذا ما قورن ذلك بالحالة السائدة فى عصره (٧٠). وكان مصدره فى هذا المجال هو البيرونى خاصة فى كتابه «القانون» ، وابن سعيد الذى مر ذكره ؛ وغير معلوم لنا أى «كتاب الأطوال» يعنى عندما يشير إلى ذلك ولكن الرأى الغالب أنه يقصد بهذا الترجمة العربية لإحدى مصنفات بطلميوس العديدة. أما فيما يتعلق بمصادره الشفوية فلا نستطيع إلا أن نقف موقف التكهن ؛ وهى بلا شك قد وجدت ويمكن أن نقدم مثالا لها الرواية التى ينقلها على لسان أحد التجار عن مصب نهر الفلجا أو إشارته خلال كلامه عن الهند إلى رحالة زار تلك البلاد.
ومن الطبيعى أن تحتل الشام والبلاد المجاورة لها الأهمية الكبرى عنده من حيث وفرة المادة ؛ أما فيما يتعلق بأوروبا الشمالية والغربية فإنه لا يمثل أهمية كبيرة بجانب بعض المصادر الموجودة فى أيدينا الآن. وقد لوحظ أكثر من مرة تسرب الأخطاء إلى مادته عن عدد من الأقطار وذلك لأسباب مختلفة ، فمثلا وصفه لأفريقيا الجنوبية بمثل تقهقرا علميا واضحا عند المقارنة بمصدره البيرونى (٧١). وقد لمسنا