وأرض الجزيرة العليا. أما بخلاف هذا فهو جغرافى نقالة كان يستقى مادته من الآثار المدونة وأحيانا من قصص التجار والرحالة التى سمعها بالشام ، وهو لم يكن بحاثة ولكن هذا لم يمنعه من وضع أثر لا يقل فى شىء عن معجم ياقوت. ومما لا شك فيه أن كتابه مصنف نقلى جمع مادته من عدد كبير من المؤلفات القديمة ولكنه أضاف إلى هذا عددا ليس بالقليل من المعلومات الجديدة عن البلدان غير الإسلامية ؛ وهو فى تبويبه لمادته يكشف عن مقدرة ملحوظة فى التأليف. وليس فى مقدور أحد أن ينكر أن المكانة التى بلغها عند الأجيال التالية من العرب والفرس والترك ، وبين دوائر المستشرقين ابتداء من القرن السادس عشر ، إنما تقوم فى الواقع على أساس متين (٥٨).
ويحمل مصنفه فى الجغرافيا عنوانا متواضعا هو «تقويم البلدان» ؛ وقد أتم مسودته فى سبتمبر من عام ٧٢١ ه ـ ١٣٢١ ولكن من الممكن القول بأنه ظل يزيد عليه حتى لحظة وفاته ؛ وتوجد بمكتبة ليدن مخطوطة له راجعها أبو الفدا نفسه. وينقسم الكتاب إلى قسمين غير متساويين الأول منهما أقل أصالة من الثانى (٥٩) ، وهو على هيئة مقدمة فى الكوزموغرافيا العامة تضم المعلومات المعهودة عن تقسيم الأرض وعن خط الاستواء والأقاليم السبعة والمعمور من الأرض ومساحتها وعن المصطلحات المستعملة فى الجغرافيا ؛ ويرد فيها وصف قصير للبحار والبحيرات والأنهار والجبال كما يوضح النظام الذى يسير عليه الكتاب (٦٠). وأما القسم الثانى والأكبر فهو ينقسم بدوره إلى ثمانية وعشرين قسما ، أو جداول على الأصح مكرسة للكلام على المناطق الجغرافية المختلفة التى تسمى أيضا بالأقاليم والتى يرد وصفها على الترتيب الآتى الذى قد يختلف اختلافا ضئيلا وفقا للمخطوطات : بلاد العرب ، مصر ، المغرب ، السودان ، الأندلس ، جزر البحر. الأبيض المتوسط والمحيط الأطلنطى ، الشمال (بلاد الفرنجة والترك) ، الشام ، الجزيرة ، العراق ، خوزستان ، فارس ، كرمان ، سجستان ، السند (البنجاب) ، الهند ، الصين ، جزر البحر الشرقى ، الروم (آسيا الصغرى) ، أرمينيا (ومعها أرّان وأذربيجان) ، العراق العجمى ، الديلم (وكيلان) ، طبرستان (ومازندران) ، خراسان ، زابلستان (والغور) ، طخارستان ، خوارزم ، ما وراء النهر. وهذا التعداد يبين لنا لأول وهلة أن تهويب أبى الفدا يعكس بدقة تأثير المدرسة الكلاسيكية للبلخى (٦١) كما وأن الاهتمام الذى يفرده لبلاد إيران يجس من خلاله تأثير «أطلس الإسلام» ؛ ويمكن أن نستنبط من هذا التبويب كيف أن أبا الفدا قد تحول عن الادريسى إلى التقسيم الذى اتبعه جغرافيو القرن العاشر ، أى أنه اطرح جانبا التقسيم إلى أقاليم فلكية مفضلا عليه التقسيم إلى مناطق جغرافية (٦٢).
هذا وإذا كان أبو الفدا يفتقر إلى الأصالة فى طريقة تعداده للمناطق وتنظيمه لها إلا أنه بلا ريب يظهر الكثير من هذه الأصالة فى طريقة تبويبه للمادة داخل هذه المناطق. فكل واحدة من المناطق الثمانية والعشرين منسقة وفق نظام موحد وينقسم كل منها إلى جزئين يحتوى الأول على عرض عام للمنقطة وأخلاق سكانها وعاداتهم وآثارها القديمة وطرقها ؛ وتتفاوت هذه الأجزاء الأولى من حيث الحجم وفقا لمساحة كل منطقة