عليه فى الأوساط العلمية الأوروبية كنية أبى الفدا إلا أنه غلب عليه الشرق لقبه عماد الدين أو لقب الإمارة الملك المؤيد ؛ أما اسمه فهو إسماعيل بن على الأيوبى. وسترة حياته معروفة لنا جيدا بفضل ما خلفه لنا من ملاحظات وفيرة فى سيرة حياته الخاصة التى تذكرنا فى بعض خطوطها بسيرة حياة أمير شيزر أسامة بن منقذ الذى عاش بالشام أيضا ولكن قبل قرن من أبى الفدا وخلف مذكرات ممتعة عن حياته الخاصة (٤٩). هذا قد سارت حياة أبى الفدا بحسب ما يبتغى حتى اعتقد البعض أن الأقدار حابته كثيرا (٥٠).
وإلى جانب ما منحته إياه الأقدار من ذهن صاف وقريحة فياضة وملكة شعرية وتملك لمختلف فروع المعارف إلا أنه برز كذلك بشجاعته وصفاته العسكرية ؛ وقد اعترف له معاصروه بالمرونة والاستعداد الدبلوماسى فاستطاع فى تلك الأزمنة الشديدة الاضطراب أن يحتفظ بما ورثه عن آبائه من أملاك بل وأن بوسع رقعتها. وكانت تلك الفترة التاريخية عصيبة حقا فقد استمر الكفاح ضد الصليبيين من ناحية وضد تحركات المغول على الشام من ناحية أخرى ، أضف إلى هذا أن سلطان المماليك لم يكن قد ثبت بعد فى الشام بصورة قاطعة ؛ وعلى أية حال فقد كانت قرائن الأحوال تشير إلى أن سلطان مصر هو صاحب القوة الكبرى وقد أحس أبو الفدا بهذا ولعل ذلك هو السبب الذى جعله يثبت على ولائه لدولة المماليك.
ولد أبو الفدا فى سنة ٧٦٢ ه ـ ١٢٧٣ بمدينة دمشق التى كان قد التجأ إليها آنذاك أبوه أمير حماة ؛ وقد سارت مهمة تثقيفه فى الأدب جنبا إلى جنب مع تدريبه العسكرى وصحب أباه وهو فى سن الثانية عشر فى الحملة التى انتزعت من أيدى الصليبيين قلعة المرقب ، كما أخذ جانبا وهو فى سن السادسة عشرة فى إخراج الصليبيين من طرابلس ؛ وفى عام ٦٩١ ه ـ ١٢٩١ أخذ طرفا فى حملة على أرمنيا الصغرى بقيادة السلطان لاچين ؛ وتنسب أسطورة أوروبية هذا الأخير إلى جماعة الفرسان التيوتون Teutonlc) (Knights وتزعم بأنه قد وصل إلى فلسطين مع الصليبيين ولكنه لم يلبث أن أخذ جانب المسلمين ونال المكانة لديهم شيئا فشيئا حتى صار سلطانا (٥١) ؛ ومن الخير أن نضيف أن هذه الأسطورة مجهولة تماما فى المصادر العربية (٥٢)
هذا وقد ربط أبو الفدا كفاحه مع المماليك نهائيا فى عام ٦٩٨ ه ـ ١٢٩٩ وذلك فى عهد خليفة لاچين السلطان الناصر الذى ظل أبو الفدا مخلصا له طوال حياته. وفى عام ٧٠١ ه ـ ١٣٠١ أخذ أبو الفدا طرفا فى الحملة الثانية للماليك (١) على آسيا الصغرى ، وقريبا من ذلك العهد قام بزيارة لبلاط السلطان بالقاهرة لأول مرة فقوبل بما هو أهل له من تقدير واحترام وأعيدت إليه حقوقه الشرعية بعد عامين من هذا فثبت أميرا على حماة. ومنذ تلك اللحظة استقر فى أملاكه ولكنه كان يرى بالقاهرة فى المناسبات والاعياد كما أدى فريضة الحج بضعة مرات صحب فيها أحيانا السلطان الذى كان يأنس بصحبته ؛ وحوالى
__________________
(*) ورد فى الكتاب سهوا «المغول» بدلا من «المماليك». (المترجم)