لاختلاف المخطوطات (٤٣). والثابت فقط أنه كان بمصر فى عام ٧٣٢ ه ـ ١٣٣٢ ؛ ويبصر كرامرس فى مصنفه تأثير المنهج الذى اتبعه الدمشقى فى تبويب مادته ولكن يعتقد أن الكتاب قد اعتمد على أساس جغرافى مغاير (٤٤) وهو أمر يوكده توزيع الأقسام المختلفة للكتاب فى بعض المخطوطات (٤٥). فمثلا تتحدث المقالة الثانية فى مخطوطة ليننغراد عن «الآثار العلوية والسفلية» أو بمعنى آخر عن العجائب التى يمكن ملاحظتها فى السموات وفيما بين السماء والأرض ؛ أما المقالة الثالثة فتحدث عن «الدنيا وأحوالها والدهور والزمان». وهى تحفل بأمشاج من المعلومات المتعلقة بالتقاويم ولكنها تجمع إلى جانب ذلك مواد أدبية ذات طابع انتخابى تزينها الأشعار والأقوال البليغة ، وهذا بالطبع لا يتعلق فى قليل أو كثير بالكوزموغرافيا كما وأنه من العسير؟؟؟ تحديد ارتباطه بالمسودة الأولى للكتاب ؛ أما المقالة الرابعة فتثمل أنموذجا جيدا للكوزموغرافيا عند الحرانى بل إن عنوانها نفسه يحدد مضمونها الأساسى وهو «فى عجائب الأقطار وغرايب البحار والأنهار والجبال والقفار» ، فهى تنضم إذن فى جوهرها لنمط العجائب (Mirabilia) المعروف لنا جيدا منذ القرن العاشر. وإزاء كل هذا فإن من السهل علينا أن ندرك السر فى أن قسما كبيرا من هذه المقالة قد أفرد لعجائب مصر التى يستقيها أساسا من مصنف إبراهيم بن وصيف شاه ولو أنه لا يشير إليه بصراحة فى صفحات كتابه (٤٦) ؛ وهذا القسم بالذات هو الذى ضمنه بأجمعه تقريبا فى مصنفه فى الكوزموغرافيا سراج الدين بن الوردى وذلك بعد مضى قرن من الحرانى (٤٧). أما تلك الأقسام من كتاب الحرانى التى تمس بحر قزوين فهى ليست سوى تكرار حرفى لمادة المسعودى والقزوينى (٤٨). وعلى أية حال فإن كتاب الحرانى مثال جيد لما طرأ على مادة الكوزموغرافيات القديمة من تبسيط وتقريب إلى أفهام الجمهور فى العصور التالية حتى أصبحت تتمتع برواج كبير فى أوساط القراء كما يتضح لنا من كتب ابن وصيف شاه والحرانى وابن الوردى على التوالى.
وإلى جانب الدمشقى يجب أن نذكر شخصية معاصره ومواطنه أبى الفدا الذى احتل فى ميدان العلم مكانة أرفع من مكانته والذى يقول رينوReinaud عن مصنفه الجغرافى وذلك قبل قرن من الزمان إنه يمثل «إلى جانب الإدريسى مؤلفا ضخما فى مجاله» ويوكد فى ذات الوقت «أن العصور الوسطى الأوروبية لم تعرف كتابا يمكن مقارنته به». ولا يزال هذا الحكم صحيحا فى جوهره حتى أيامنا هذه ولكن يجب أن تعدل بعض تفاصيله على ضوء تطور البحث فى مجال الأدب الجغرافى منذ أن أصدر رينو حكمه هذا. وأبو الفدا على نقيض المؤلفين السابقين له ينتسب إلى فرع دوحة عريقة هى أسرة الأيوبيين التى تولت زمام الحكم فى الشرق فهو بذلك تربطه رابطة الرحم بصلاح الدين الأيوبى ، وإلى جانب هذا فهو يتفرد بين سائر الشخصيات التى تشاركه الحسب والنسب فى أنه لم يكن من بين رعاة الأدب والفن فحسب كما كان الكثيرون غيره بل كان إلى جانب ذلك مؤلفا كبيرا خلف وراءه مصنفين كبيرين فى التاريخ والجغرافيا. وقد أدى انتسابه إلى تلك الأسرة الكبيرة أن تعددت الأسماء التى عرف بها ، فهو وإن ثبتت