«الرحلة» (٩١). ويحتل مكان الصدارة لديه سير العلماء المقيمين فى الموضع التى زارها ووصف المكتبات ودور العلم المختلفة. ولإعطاء فكرة عن ضخامة مصنفه نذكر أن الجزء الثالث منه المحفوظ بالاسكوريال قد أفرد بتمامه للكلام على علماء الإسكندرية والقاهرة بين عامى ٥٨٥ ه ـ ١٢٨٦ و ٧٠٠ ه ـ ١٣٠٠ وذلك عندما كان المؤلف نفسه مقيما بمصر (٩٢).
ومن الطبيعى أن نفترض أن مثل هذه الرحلات العلمية لم تسر فى اتجاه واحد فقط أى من الغرب إلى الشرق بل سارت أيضا فى الاتجاه المضاد. وتوجد بمكتبة برلين مخطوطة لوصف رحلة ثم تأليفه بمدينة الحلة على نهر الفرات فى عام ٦٩٩ ه ـ ١٢٩٩ وهو لمؤلف غير معروف لنا عن قرب ويدعى الفضل بن يحيى الطيّبى (٩٣). وفى هذا المصنف يرد الكلام عن رحلة لشخص يدعى على المازندرانى صحب فيها أستاذه على الأندلسى ، وكانا قد خرجا فى رحلتهما من دمشق فمرا على مصر فى طريقهما إلى الأندلس وبلاد البربر. ويرد فى سياق العرض ذكر لزيارتهما لجزيرة تسمى «جزيرة الرافضة» (ربما يعنى بذلك جزيرة جربه كما يفترض بروكلمان) ؛ ويغلب الخيال على الحقيقة عندما يدعى بأنه أمضى ثمانية أيام فى الجزر الخضراء (جزر الأزورAzores) بالبحر الأبيض (المحيط الأطلنطى) فى محادثة علمية مع رجل عرف بتفقهه فى القرآن هو شمس الدين محمد العالم ، وأنه اضطر لأسفه الشديد إلى مغادرته لأنه كان ينوى الإسراع فى العودة ؛ واسم بطل القصة يدفعنا إلى التشكك فى صحتها وإلى التساؤل أليست هذه القصة بحذافيرها من نسج خياله وذلك على الرغم من أن مخطوطة كتابه تحدد بالكثير من الدقة مسقط رأسه على أنه بمازندران (٩٤). وعلى أية حال فإنه يمكن الخروج بنتيجة هامة هى أنه ابتداء من القرن الثالث عشر بدأ طابع الرحلة فى «طلب العلم» يطغى على نمط الرحلة وما لبث أن اتسع نطاق انتشاره على ممر القرون حتى بلغ الأوج بوجه خاص فى العهد التركى.
ويمثل الجغرافيا الإقليمية (regional) لهذا العهد بالشام مصنف يتميز بالطرافة وهو للمؤرخ عز الدين ابن شداد ، ويجب ألا يخلط بينه وبين كاتب سيرة صلاح الدين الأيوبى المشهور بهاء الدين بن شداد الذى عاش قبل ذلك بقرن من الزمان. أما اسم مؤلفنا الكامل فهو أبو عبد الله محمد (١) بن على بن إبراهيم الحلبى (٩٥) ؛ وأصله من حلب وقد شغل منذ سنى شبابه الأولى مناصب إدارية لدى الأيوبيين وكان يعد خبيرا فى شئون الميزانية والمالية ، الأمر الذى ينعكس بشدة فى كتابه (٩٦). وقد عاش عز الذين فى أزمنة خطيرة فقد ولد عام ٦١٣ ه ـ ١٢١٧ وأخذ طرفا فى النشاط الدبلوماسى لعصره فشارك فى النضال العسكرى ضد الزحف المغولى. وفى عام ٦٥٨ ه ـ ١٢٦٠ عندما استولت جحافل المغولى على حلب (٩٧) هاجر عز الدين إلى القاهرة وهناك تمتع برعاية الظاهر بييرس والسلطان قلاوون (٩٨) ؛ وفى عام ٦٧٦ ه ـ ١٢٧٧ تمكن من زيارة دمشق ولكنه لم يلبث أن عاد إلى القاهرة وتوفى بها فى عام ٦٨٤ ه ـ ١٢٨٥ (٩٩)
__________________
(*) سقط اسم محمد سهوا فى المتن الروسى. (المترجم)