مصنف آخر يحمل نفس هذا الاسم حتى ولو كان ذلك مصنف أحمد طوسى. ولعله من الخير البحث عن توضيح لهذه المسألة فى واقعة تاريخية معينة ؛ فقد حدث فى عام ١٥٤٩ أن وضعت قوات دولة موسكو يدها على سفارة كانت فى طريقها من قازان إلى القريم وكان فى حوزة هذه السفارة نسخة من كتاب يحمل نفس ذلك العنوان. هذه الرواية التى تقدم لنا تفاصيل الواقعة والتى ترجع إلى عصر ايفان الرهيب تقدم ترجمة عنوان الكتاب على أنها «حكمة كل العالم» ولكن تضيف إلى هذا أنه «مدون باللغة الفارسية» ؛ وبهذا يصبح من العسير علينا أن نحدد بصفة قاطعة أىّ روايات القزوينى بالذات هى التى وجدت طريقها إلى أراضى دولة الموسكوف. هذا وقد ظلت كوزموغرافيا القزوينى متمتعة بالرواج بين الجمهور فى آسيا الوسطى حتى السنوات العشرينات من هذا القرن ولم يمر يوم إلا وظهرت طبعات جديدة لترجماتها فى اللغات المحلية المختلفة.
وثمة دليل آخر على الانتشار الواسع الذى تمتع به مصنف القزوينى هو أنه من الكتب العربية القليلة التى زينت بالتصاوير ؛ فهو مزود لا بأشكال وجداول فلكية فحسب بل أيضا بالرسومات المصغرة (المنمنمات) Miniatures التى تبلغ أحيانا قمة الجودة والإتقان كما يظهر هذا من مخطوطة ميونخ التى مر القول عليها ، وأيضا فى مخطوطة موجودة بمعهد الدراسات الشرقية. ونفس الرسوم تتكرر فى المسودات الغربية والفارسية على السواء ؛ وإذا حدث وغلب طابع الخيال على بعض رسوم النبات والحيوان وجميع أصناف الوحش فإن الرسومات المصغرة قد عاونت فى أحوال معينة على تفسير مسائل على غاية من الأهمية كتاريخ تصوير الكواكب مثلا وبعض مسائل التاريخ الطبيعى (٥٤). وفى الختام يمكن أن يلاحظ أن معظم مخطوطات القزوينى ، شأنها فى هذا شأن المصنفات الكوزموغرافية المتأخرة للحرانى وابن الوردى تحتوى على خارطة مستديرة للعالم من طراز خارطة الإصطخرى (٥٥).
أما مصنف القزوينى الآخر والذى يطلق عليه مع بعض التجاوز اسم «جغرافيا» فهو معروف بدوره فى روايتين تحمل إحداهما عنوان «عجائب البلدان» وترجع إلى عام ٦٦١ ه ـ ١٢٦٣ ، بينما تحمل الأخرى عنوان «آثار البلاد وأخبار العباد» ويرجع تاريخها إلى عام ٦٧٤ ه ـ ١٢٧٥ ، وهى تختلف عن الأولى اختلافا كبيرا وتضم زيادات هامة (٥٦) ؛ وطبعة فستنفلد تعتمد على الرواية الثانية.
ووصف الأرض موزع هنا على الترتيب المعروف لنا أى بتقسيمها إلى سبعة أقاليم ؛ وفى داخل كل إقليم يرد وصف مختلف البلاد والمدن والجبال والجزر والبحيرات والأنهار الخ وفقا لحروف المعجم. وهو فى كلامه عن كل بقعة يتحدث عما يستحق الاهتمام فيها ويورد فى هذا الصدد تفاصيل تاريخية وافية كما أنه لا يهمل التفصيل أيضا حين يتحدث عن سير مشاهير الرجال فى الأماكن المختلفة ؛ نلتقى من بين هؤلاء كما لاحظ براون Browne بعدد كبير من شعراء الفرس بحيث تعتبر رواياته أحيانا من أقدم ما وصلنا عنهم (٥٧) ؛ وهكذا فإن جغرافيا القزوينى تقترب من حيث طرازها من معجم ياقوت