الطريف اكتشاف شبه كبير بين القسم المتعلق منه بالعالم العلوى والرسائل المسيحية المعاصرة فى الغرب والشرق (٤٩) ؛ ويصدق هذا بشكل خاص على المصنف السريانى المجهول المؤلف «علّث كل علّان» («علة كل العلل») الذى يصفه زخاوSachau بأنه مصنف فى الكوزموغرافيا لا مثيل له من حيث طرافته وأنه يهدف تقديم «كتاب عام لجميع الشعوب» (٥٠) ؛ ولا مشاحة فى أن روايات جميع هذه المصنفات إنما تشترك من حيث مصادرها.
ولا يقف برهانا على الرواج الكبير الذى لقيته كوزموغرافيا القزوينى ذلك التباين والتعدد فى مسوداته ومخطوطاته فحسب بل أيضا العدد الكبير من الترجمات والمسودات المعدلة التى ظهرت باللغات الأخرى ، فقد ظهرت المسودة الفارسية للكتاب فى وقت واحد بالتقريب مع مسودته العربية. ومعروف لنا ما لا يقل عن ثلاث مسودات بالفارسية هذا عدا الموجزات والمقتطفات ؛ بل إن القسم الثانى من الكتاب موجود فى رواية شعرية. أما المسودات المعدلة والترجمات باللغة التركية فقد أخذت فى الظهور منذ منتصف القرن الخامس عشر وظلت تتوالى فى سلسلة لا تكاد تنقطع خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر (٥١) ، بل إنه توجد ترجمة چغتائية (١) محفوظة فى مجموعة خانيكوف Khanikov الموجودة بالمكتبة العامة ببطرسبورغ (٥٢). وبالطبع فإن الغموض لا يزال يكتنف العلاقة بين جميع هذه الترجمات والمسودات المصلحة بحيث يحتاج فحصها إلى نفس المجهود الذى يحتاج إليه فحص المسودات العربية للكتاب ؛ والأمر الذى لا يرقى إليه الشك هو أن عددها الكبير يقف دليلا على الرواج والانتشار والإقبال الذى لقيته كوزموغرافيا القزوينى. وقد امتد صيت الكتاب حتى بلغ روسيا الموسكوفية فى أواخر القرن السادس عشر فهو بهذا يوشك أن يكون المصنف العربى الوحيد الذى نفذ اسمه إلى الوثائق الرسمية لتلك الحقبة من التاريخ الروسى بل إن هذا قد ساق بدوره إلى افتراض مبالغ فيه عن ضخامة مكتبة ايفان الرهيب. ويتلخص جوهر القصة (٥٣) فى أن السفير الموسكوفى الذى أرسل فى عام ١٥٦٥ إلى دولة نوغاى Nogai (٢) كان قد كلف بالآتى : «ويقول الأمير تونمخات Tunemkhat : «لقد كتبت إلى الملك والأمير العظيم بشأن كتاب azla ibu imakh lukat (٣) فلم يرسل الملك الكتاب إلىّ». وقولوا لميخائيل : إن ملكنا قد أمر بالبحث عن ذلك الكتاب فى خزائنه ولكن لم يمكن العثور عليه». وليس ثمة ما يدعو إلى الشك فى أن هذا العنوان المحرف إنما قصد به كوزموغرافيا القزوينى إذ من الصعب القول بأنه المقصود بذلك
__________________
(*) يطلق اسم الچغتائية على اللغة التركية الأدبية التى ازدهرت بآسيا الوسطى عقب الغزو المغولى وظهر بها أدب حافل كان من أكبر ممثليه على شيرنوائى والسلطان بابر. وهذه النسبة مأخوذة من اسم چغتاى أحد أبناء جنكيز خان وكان أبوه قد أقطعه أقطار آسيا الوسطى عندما قسم إمبراطورية المغول المترامية الأطراف بين أفراد أسرته. (المترجم)
(**) اسم إمارة من الإمارات التترية التى تقاسمت الحكم عقب سقوط دولة الأوردو الذهبى فى أواخر القرن الرابع عشر ، ولا تزال تحمل هذا الاسم قبيلة مسلمة تتكلم لهجة تركية وتقطن فى منطقة القوقاز الشمالية. (المترجم)
(+) أى أنه يجب أن يرى فى هذه الألفاظ اسم «عجائب المخلوقات». (المترجم)