والثانية فى حركات الكواكب والثالثة فى تحديد الأوقات والرابعة فى حسابات تنجيمية مختلفة. هذه الجداول وإن لم تشتمل دائما على إرصادات أصيلة إلا أنها اكتسبت صيتا واسعا فى الشرق الأدنى واستمرت مستعملة حتى إلى ما بعد ظهور جداول ألوغ بيك ، بل إنها نفذت إلى الصين وسيطرت سيطرة مطلقة على علم الفلك هناك. وقد اعتمد أحد علماء سمرقند ممن عاشوا بالصين على جداول نصير الدين الطوسى فى وضع تقويم خاص لأحد أحفاد جنكيز خان فى عام ٧٦٤ ه ـ ١٣٦٢ (٩٧) ، واستمر تأثيرها فى الصين إلى ما بعد زوال دولة المغول بها فى القرن الرابع عشر حتى طغت عليها فى القرن السابع عشر مؤلفات الجزويت الغربيين الذين اشتد نشاطهم فى ذلك الوقت (٩٨).
وأغلب الظن أن «الجداول الايلخانية» قد وضعت أصلا بالفارسية ولكن يعرف عدد كبير من مسوداتها باللغة العربية ، بل وعدد من المسودات المصلحة والشروح (٩٩). ويرجع الفضل لأحد تلك الشروح وهو لمحمود شاه قلجى فى تعريف أوروبا بهذه الجداول ، إذ نشر مقتطفات من هذا الشرح مع ترجمة المستشرق والفلكى الإنجليزى جون غريفزJohn Greaves سنة ١٦٤٨ ـ ١٦٥٠ (١٠٠). وكما هو الشأن مع بقية الزيجات فإن كمية المادة الجغرافية الخالصة فيه لا يستهان بها رغما من أنها تقتصر بشكل خاص على إيراد الأطوال والعروض (١٠١). وينسب إلى نصير الدين الطوسى مصنف خاص فى الجغرافيا باللغة الفارسية ترتفع تسميته إلى المدرسة الكلاسيكية للجغرافيين العرب هو «صورة الأقاليم» الذى يحوم الشك حول صحة نسبته إليه والذى لا يمثل فى واقع الأمر سوى ترجمة فارسية لكتاب الاصطخرى على ما يبدو (١٠٢).
ويجب أن نخص بالذكر من بين تلامذة الطوسى ومعاونيه العديدين قطب الدين مسعود الشيرازى (٦٣٤ ه ـ ٧١٠ ه ـ ١٢٣٦ ـ ١٣١١) (١٠٣) الذى تجاوزت مواهبه العلمية حدود الجغرافيا الرياضية بكثير ، فهو كنصير الدين الطوسى كان جامعا لصنوف المعارف مما حدا بأبى الفدا إلى أن يلقبه «بالمتفنن» (١٠٤) ؛ وهو قد فات نصير الدين فى بعض النواحى وأبدى أصالة أكثر منه. ويرى فيه بارتولد «فلكيا عظيما بحث عن طرق جديدة فى الفلك» (١٠٥) ، بينما اعتبره سارطون Sarton من كبار علماء الفرس عامة (١٠٦).
والذى يهمنا بصورة خاصة اثنان من مصنفاته ارتبطا ارتباطا وثيقا ببعضهما البعض ، أحدهما «نهاية الإدراك فى دراية الأفلاك» الذى فرغ من تأليفه عام ٦٨٠ ه ـ ١٢٨١ ، والآخر «التحفة الشاهية فى علم الهيئة» الذى يرجع إلى عام ٦٨٤ ه ـ ١٢٨٥ ، وهو يمثل إلى حد كبير مسودة مصلحة للمصنف الأول. و «نهاية الإدراك» ليس مصنفا فلكيا بالمعنى الدقيق للفظ بل يعالج بصورة منظمة مسائل الكوزمولوجيا والجيودوسيا والمترولوجيا والميكانيكا والبصريات (١٠٧). وفيدمان الذى اهتم كثيرا بدراسة هذا الأثر يعتبره أفضل عرض للفلك (الكوزموغرافيا) باللغة العربية يخلو من الرياضيات (١٠٨). ويمثل بعض الطرافة فحصه لموضوع شكل الأرض وموضعها وحركتها (١٠٩) وحجمها (١١٠). وهو أكثر