أما تاريخ تاليفه فيمكن تحديده وفقا للاستقراء الداخلى لمادته بين عامى ٢٨٩ ه ـ ٩٠٢ و ٣٣٤ ه ـ ٩٤٥ ، أى قبل دخول البويهيين بغداد. ويكشف المؤلف عن معرفة جيدة بالعراق بحيث لا يرقى الشك إلى أنه عاش بها ؛ وكان معاصرا لأبى زيد البلخى مؤسس المدرسة الكلاسيكية للجغرافيين العرب ولكنه يمثل اتجاها مخالفا كل المخالفة لمذهب تلك المدرسة ، فمصنفه استمرار للمذهب اليونانى فى الجغرافيا ولو بطريقة تخالف بعض الشىء طريقة «صورة الأرض» للخوارزمى. وتزودنا مقدمته بتفاصيل جوهرية تساعد فى وضع خارطة مسطحة مربعة (Plattcarte) اعتمادا على مادة الكتاب نفسه ؛ وهذا بدوره قد دفع مجيك إلى الافتراض بأنه ربما وجدت مثل هذه المقدمة فى كتاب الخوارزمى أيضا ولكنها مفقودة فى مخطوطة استراسبورج. أما تبويب المادة لدى سهراب فيختلف بعض الشىء عما هو عليه الحال مع «صورة الأرض» ، ففى البداية يرد تعداد المدن وأقسام الأقاليم المختلفة ، ثم يلى هذا وصف البحار والجزر وتعداد الجبال (بحسب الأقاليم أيضا) وبعد ذلك المنابع والأنهار ، وفى الخاتمة توزع هذه الظواهر على الأقاليم المختلفة. ومن هذا يتضح أن هذه التقسيمات هى نفس تقسيمات الخوارزمى ولكن تخالفها فى التسلسل ، والسبب الذى دعى إلى هذا غير واضح لنا. وأحيانا قد يختلف التوزيع حتى فى داخل الأقسام نفسها كما هو الحال مثلا مع مدن الأقاليم الثالث والرابع والخامس. ويمكن القول بصفة عامة بأن الاختلاف بين الاثنين فيما يتعلق بالمادة المستقاة من المصادر اليونانية طفيف للغاية ويتمثل بوجه خاص فى تشويه بعض الأسماء اليونانية والطمس الذى أصاب بعض الأرقام ؛ بيد أن هذا لم يحل بالطبع دون وجود قراءات لدى سهراب تفضل أحيانا قراءات الخوارزمى. وعلى وجه العموم ففى الأقسام التى يقربان فيها من بعضهما البعض يضحى من غير الممكن كما يقول مجيك إعداد طبعة علمية للكتاب الأول بدون الاعتماد على مخطوطة الثانى.
وتتمثل الأهمية الرئيسية لكتاب سهراب فى اتساع المادة المستقاة من المصادر العربية ، ويبدو أن غرضه كان إضافة مادة جديدة إلى ما جمعه الخوارزمى قبل قرن من ذلك ، فيجعل بهذا مصنفه أقرب إلى حاجة معاصريه ، ويصدق هذا قبل كل شىء على الأقسام عن الجبال وعن الأنهار خاصة. ووصف المؤلف لشبكة قنوات بغداد واف بصورة استرعت أنظار لوسترانج Le Strange منذ التسعينيات من القرن الماضى وزوده بمادة جوهرية فى وضع وصفه التخطيطى لأرض السواد وقتذاك (٤٦). هذا وقد حمل وصفه لدلتا النيل المستشرق غست Guest إلى القول بأن سهراب قد عرف مصر معرفة مباشرة وأنه من أهليها (٤٧) ؛ وكما بين مجيك فإن مثل هذا الزعم لم يكن ليصدر إلا نتيجة للجهل بمصدر سهراب الرئيسى وهو الخوارزمى (٤٨). ولا يخلو من طرافة فى آخر الأمر ملاحظة أن لغة سهراب أكثر «استعرابا» وأن أسلوبه يحافظ على مستوى النثر العلمى المعتاد بينما يلاحظ فى أسلوب الخوارزمى وعورة فى اللغة ، وفى هذا دليل على أن أسلوب نثر الرسائل العلمية فى عصره لم يكن قد أوفى بعد على الغاية (٤٩).