لسنا على ثقة تامة أى نص استعمل أهو اليونان أم السريانى؟ إن نالينو يرى أن كتابه لا يمثل ترجمة لبطلميوس بل يستهدف توضيح الخارطة التى أخذت عن المتن اليونانى لكتاب «جغرافيا» مباشرة ، لا عن المتن اليونانى السريانى. ويمكن فى كثير من الأحيان تفسير الاختلاف مع بطلميوس فى أن مادته تعتمد على الخارطة ولم يأخذها عن «جغرافيا». وقد وكدت أبحاث مجيك فرض نالينو القائل بأن الرسالة إنما تعتمد أساسا على الخارطة ، ولكنه يعتقد أن الخارطة نفسها تستند على النص السريانى (٣٦). أما هو نغمان فيرى فى كتاب الخوارزمى محاولة للمزج جهد المستطاع بين «الخارطة المأمونية» وخارطة بطلميوس ، وأن تلك المحاولة لم يكتب لها التوفيق التام (٣٧). والأسماء الجغرافية القديمة لا تزال كثيرة لدى الخوارزمى ولكنها ما لبثت أن أخذت فى الاختفاء من الجغرافيا الوصفية حتى أصبحت نسيا منسيا فى عهد ياقوت فى القرن الثالث عشر. وقد قام الخوارزمى نفسه بمحاولة لمقارنتها بالأسماء المستعملة فى عصره فأورد من وقت لآخر بعض التسميات الجغرافية الفارسية (٣٨). هذا ويمكن القول بصفة عامة أن الخوارزمى قد أبدى فى مؤلفه هذا نفس الأصالة والابتكار اللذان ظهرا فى مؤلفاته الرياضية ، كما يجب أيضا الاعتراف تبعا لنالينو (٣٩) وبارتولد (٤٠) بأنه لا يوجد شعب أوروبى واحد يستطيع أن يفخر بمصنف يمكن مقارنته بهذا الكتاب الذى يعتبر أقدم أثر فى الجغرافيا العربية. وقد لعب كتاب «صورة الأرض» دورا محدودا فى أوروبا الوسيطة لدى المقارنة بمؤلفات الخوارزمى الأخرى ، غير أن بعض مادته فيما يتعلق بالعروض والأطوال قد وجدت طريقها إلى «جداول طليطلة» للزرقالى فى القرن الحادى عشر. وهذه الأخيرة قد ترجمت إلى اللاتينية وتمتعت بصيت عريض فى القرن الثانى عشر وما بعده (٤١).
أما تأثير الكتاب على العلم العربى فقد كان هائلا. ففى النصف الأول من القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) وجد مصنف آخر يكمله ويقترب منه اقترابا شديدا بحيث يضحى من الممكن اعتباره مسودة أخرى للخوارزمى. ولا يزال يحيط باسم مؤلفه الكثير من الغموض والإبهام ؛ وفى مخطوطة المصنف الفريدة الموجودة بالمتحف البريطانى ، وهى مخطوطة جيدة ترجع إلى عام ٧٠٩ ه ـ ١٣٠٩ ، يدعو المؤلف نفسه فى المقدمة باقتضاب «أفقر الورى سهراب». ومثل هذا الأمر نادر الحدوث بين المؤلفين العرب ، فضلا عن أن الاسم يبدو أجنبيا مما يدفع إلى الاشتباه فى أنه ربما قصد به التضليل أو أنه اسم مستعار. بيد أن المتن واضح بصورة جعلت الكتاب يثبت على اسم هذا المؤلف فى الدوائر العلمية منذ أن أصدر مجيك طبعة كاملة له فى عام ١٩٣٠ (٤٢). وإلى ما قبل هذا التاريخ ساد خلط كبير حول اسم المؤلف لا تزال آثاره ملموسة إلى أيامنا هذه ، فالبعض قد أطلق عليه اسم ابن سرابيون (٤٣) خالطين بينه وبين الطبيب المعروف لذلك العصر (٤٤) ، بينما دعاه البعض الآخر أبا الحسن بن البهلول (٤٥). ولا يزال الشك يعتور عنوان الكتاب نفسه وهو «كتاب عجائب الأقاليم السبعة» الذى يرتفع إلى المخطوطة ذلك أن الكتاب لا يوجد به أى ذكر للعجائب. وربما كان مجيك محقا فى قوله إن اسم الكتاب هو ببساطة «كتاب الأقاليم السبعة».