لذلك الرياضى النابه (١٣). وعلى هذا الأساس قام بدراستها المؤرخ البولندى ليليويل Lelewel وخرج بنتيجة غريبة مؤداها أن كتاب الخوارزمى يمثل ترجمة لرسالة وضعها باليونانية حوالى عام ٧٥٠ مؤلف إغريقى عاش فى أرض الإسلام وعرف كيف يفيد من المصادر الإسلامية (١٤). ولكن نظرية ليليويل هذه قد انهارت من أساسها بالكشف عن المخطوطة التى وكدت صحة ما ذهب إليه فرين (١٥).
وقد لاقى مصنف الخوارزمى هذا نفس المصير الذى لاقته مصنفاته الأخرى ، فهو معروف لنا حتى الآن فى نسخة واحدة فقط موجودة بمكتبة استراسبورج ، ورغما من حالتها السيئة (١٦) فهى ترجع إلى رمضان من عام ٤٢٨ ه ـ ١٠٣٧ (١٧) ، أى إلى ما بعد قرنين فقط من تاريخ تأليف الكتاب ؛ وقد عثر عليها بالقاهرة فى أكتوبر ١٨٧٨ المستعرب المعروف ب. اسبتاB.Spitta الذى كان آنذاك مديرا لدار الكتب الخديوية ، وانتقلت بعد وفاته (١٨٨٣) إلى مكتبة استراسبورج. وكان أول من لفت الأنظار إليها اسبتا نفسه وذلك فى مقالتين نشرهما عام ١٨٧٩ و ١٨٨٢ (١٨) ، وأصبحت منذ ذلك الحين موضوعا لأبحاث عديدة. وأول بحث جدى حولها ظهر عام ١٨٩٥ (١٩) بقلم نالينو ؛ وتلاه ابتداء من عام ١٩١٥ عدد من الأبحاث الخاصة بقلم مجيك Mzik وهو نغمان Honigmann (١٩٢٩) ؛ وفى عام ١٩٢٦ ظهرت طبعة كاملة لهذا الكتاب قام بتحضيرها مجيك ، غير أن الترجمة التى وعد بها لم تر النور بعد. ولعلها لن تراه إذا حكمنا من ألفاظ مجيك نفسه فى واحد من أبحاثه الأخيرة (١٩٣٦) ، وذلك لما يلازم هذه المهمة من مشقة وعسر. ويبدو أن مجيك قد توصل إلى نتيجة صحيحة مؤداها استحالة تنفيذ مثل هذا العمل قبل التمهيد له بتحليل عميق وفحص دقيق للأقسام المختلفة للكتاب (٢٠). وعلى الرغم من جميع الأبحاث الجادة العميقة (٢١) فإن عددا من المسائل المتعلقة بجغرافيا الخوارزمى لا تزال مستعصية على الحل.
ونظرا لغلبة الفلك والرياضة على الخوارزمى فقد وضع كتابه فى الجغرافيا على هيئة زيج ، أى جداول فلكية. والكتاب ليس بترجمة ولكنه ترتيب لمادة بطلميوس على هيئة جداول مع إضافات واسعة من ميدان الجغرافيا العربية وطائفة من التعديلات الأخرى. وليس بالمخطوطة مقدمة على الإطلاق ولو أنها وجدت قطعا بالأصل. وتبدأ الجداول بعد البسملة مباشرة على هيئة عمودين فى كل صفحة مع تبيان المواقع الجغرافية للأماكن الكبرى التى يصل عددها إلى خمسمائة وسبعة وثلاثين موضعا. وهى موزعة على الأقاليم المختلفة بحسب الابتعاد التدريجى من خط الزوال الابتدائى الذى يمر كما هو الحال عند بطلميوس «بجزر السعادة» (الخالدات) فى أقصى الغرب من أفريقيا (٢٢). ويتلو جدول المدن جدول الجبال وعددها مائتان وتسعون ، ثم يلى ذلك وصف البحار فالجزر : ويشمل القسم الأخير منها ، وهو أوسعها ، وصفا للأنهار فى كل إقليم (٢٣).
ويبدو جليا من كل هذا أن تبويب الخوارزمى لمادتة يختلف اختلافا بينا عن نهج بطلميوس فى كتابه