«المدخل إلى الجغرافيا». وباستثناء المقالة الأولى لبطلميوس التى تحتوى إلى جانب القواعد الأساسية للكارتوغرافيا نقدا لمارينوس الصورى ، وكذلك المقالة الثامنة التى تعالج الطول النسبى لليوم فى مواقع مختلفة والتى تقدم جدولا للأربع وتسعين «أبرشية» (eparchy) (أى ولاية) الموجودة بالمعمورة ، أقول باستثناء تينك المقالتين فإن المقالات الباقية وهى من الثانية إلى السابعة ، قد تم توزيعها لدى الخوارزمى بطريقة مغايرة تمام المغايرة لطريقة بطلميوس ، فبطلميوس يعدد جبال وأنهار ومدن كل منطقة بينما يوزعها الخوارزمى على الأقاليم ويفحص كل ظاهرة على حدة. هذا ويبلغ عدد المناطق عند بطلميوس إحدى وعشرين منطقة ، بينما يبلغ عدد الأقاليم عند الخوارزمى سبعة ؛ وقلّ أن اتفقا على تحديد الأبعاد الجغرافية للأماكن المختلفة (٢٤). كل هذا إن دلّ على شىء فإنما يدل دلالة واضحة على أن «صورة الأرض» للخوارزمى أبعد من أن تكون ترجمة حرفية لبطلميوس ، بل هى مسودة مصلحة تصليحا جوهريا لكتاب «المدخل إلى الجغرافيا». وأكثر من هذا يجب أيضا رفض القول الذى نادى به البعض من أن «صورة الأرض» ليست سوى قطعة من الجداول الفلكية للخوارزمى ؛ ذلك أن واقع الأحوال يوكد أن «صورة الأرض» مصنف قائم بذاته وأن علاقته بالجداول الفلكية أشبه بالعلاقة التى بين «المجسطى» و «المدخل إلى الجغرافيا» عند بطلميوس (٢٥).
هذا ويسترعى النظر بصورة خاصة تقسيم الخوارزمى للأقاليم السبعة حسب درجات العرض ، وهو تقسيم يختلف عن كل التقاسيم الأخرى المعروفة لدى العرب ويعتمد أساسا كما أثبت البحث الحديث على حسابات العلماء اليونان. وإذا كان مارينوس الصورى قد اعتبر خطوط ايراتوثينيس Eratothenes هى الحدود الجنوبية لأقاليمه فإن الخوارزمى جعلها الشمالية ، بينما نقل الحد الجنوبى للإقليم الأول الموجود على خط عرض ١٦ درجة و ٢٧ دقيقة شمالا (مدينة مروه Meroe) إلى خط الاستواء واعتبر الحد الجنوبى للمعمور من الأرض هو خط عرض ١٦ درجة و ٢٥ دقيقة جنوبا ، كما هو الحال عند بطلميوس. ومن المستحيل تخطئة الخوارزمى فى هذا فتقسيمه منتظم ونقله الأقاليم صوب الجنوب قد أجراه عن قصد ربما دفعه إليه أن سبعين من المدن الكبرى التى أوردها تقع جنوبى الحد الشمالى للإقليم وفقا لتقسيمه هو. ولعله لا يخلو من مغزى بالنسبة للجغرافيا العربية بأسرها أن الخوارزمى لم يجد من يخلفه أو يسلك سبيله فى هذا التقسيم سوى سهراب الذى عاش فى النصف الأول من القرن العاشر فهو يعتمد على الخوارزمى اعتمادا كليا. وبالرغم من أن العرب قد كشفوا فى القرن التالى للخوارزمى عن وجود نقاط عديدة مأهولة على الساحل الشرقى لأفريقيا وفى الهند وجنوب شرقى آسيا فإن النظرية القائلة باستحالة السكنى فى الإقليم الحار قد برهنت على أنها أقوى من الملاحظة العملية المباشرة ، إذ حافظ جميع الفلكيين والجغرافيين المتأخرين دون استثناء على التقسيم القديم للأقاليم (٢٦). وإذا كان تقسيم المعمورة إلى سبعة أقاليم قد حظى ببعض الأهمية فى الجغرافيا القديمة لدى الأوائل فإنه قد أصبح قاعدة أساسية مقبولة من الجميع فى