وقد تعني (حم) في كلّ غير ما تعنيه في سواها مع اشتراكها في مغزى شامل ام ماذا؟ اللهم لا علم لنا إلّا ما علمتنا إنك أنت العزيز الحكيم :
هنا نلمس العلاقة الحكيمة بين الكتاب المنزل تشريعا ، والكتاب المبدع تكوينا ، والكتابان معروضان على البصائر والأبصار ، يتجاوبان في تفسير بعضهما البعض ، ولأنهما معا من عند الله العزيز الحكيم ؛ كما نرى أن كتاب التدوين يأمر بالنظر إلى كتاب التكوين ، ومن ثم التكوين يصدق التدوين التشريع دون تفاوت واختلاف.
ثم (حم) قد تكون مبتدء خبره تنزيل الكتاب أو إنزاله ، فهي إذا رمز شامل للكتاب جملة وتفصيلا ، أو أن المبتدأ تنزيل الكتاب وخبره من الله العزيز الحكيم ، و (حم) غير داخلة في نطاق التركيب الجملي كما هي خارجة عن العموم الدلالي. وكما الله تعالى بحكمته وعزته أحكم الكتاب إنزالا له في ليلة مباركة ، كذلك بعزته وحكمته نزّله طوال ثلاث وعشرين سنة ، فهو كتاب يحمل عزته تعالى وحكمته : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (٤١ : ٤٢) (ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ) (٣ : ٥٨) (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) (١٠ : ١) وكذلك الله في خلق الأرض والسماوات :
(ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ).
ما خلقنا .. إلّا «ملابسا بالحق» واقعا ، ومستقبلا هو (وَأَجَلٍ مُسَمًّى) وحال ان : (الَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا) من تخلفات في الحياة الدنيا ، ومن خلفياتها المقدمات للأخرى «معرضون» : إعراضا عقيديا للنشأتين وأيضا عمليا في الأولى.
فلو لم تكن للسماوات والأرض نهاية وقيامة لكان خلقها عبثا وباطلا : (وَما