عقروا الناقة بما نادوا صاحبهم لعقرها ، وساعدوه وهو «أشقى الأولين أحيمر ثمود ، رجل عارم عزيز في رهطه» (١) «فتعاطى» : تناول منهم ما به يعقر «فعقر» الناقة ، والتناول هنا يشمل كل التناولات المشجعة للعقر : من خمر تجننه ، ومن مال وسيف ومن مكاسب معنوية عندهم ، والعقر هو إصابة الأصل والقعر ، فهي بالنسبة للناقة استئصالها ونحرها.
(كانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) (٢٧ : ٤٨) فتصالحوا في إفساد عظيم على أحيمرهم فنادوه فتعاطى فعقر ، فتمت الفتنة ووقعت المصيبة.
(فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ. إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ. وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ).
وإنها لصيحة خلفت رجفة مدمرة جاثمة هاشمة تحقيقا لوعد سابق مطلق وآخر لاحق غير مكذوب : (فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ، فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ ... وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ. كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها ..) (١١ : ٦٨).
ويا لها من صيحة مرجفة جاثمة هاشمة : جثمتهم في ديارهم : لاطئين بها ، لازقين عليها كأن لم يغنوا فيها ، وهشمتهم : كاسرة لهم كالنبات الرخو (هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ)(فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) ويا له من تنظير عديم النظير ، إذ شبههم بهشيم : الحشيش الذي يخرج من الحظائر بتفتّت ، هذا الذي يحتضره المحتظر : صاحب الحظيرة ، للبيع أكلا للحيوان أو إحراقا للتدفئة والطبخ.
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ٣٥٧ عن النبي (ص) قال لعلي (ع) من أشقى الأولين؟ قال : عاقر الناقة ـ فمن أشقى الآخرين! قال : قلت : لا اعلم يا رسول الله (ص)! قال : الذي يضربك على هذه وأشار الى نافوخة.