وغير مقبول ولا معقول أن غير المسلمين كافة ، أجمعوا على تجاهلها ، ألكيلا تثبت معجزة إسلاميا! فلم يكن لهم خبر مسبق عن هذه المعجزة ، لكي يلحقها التجاهل والنكران! وإنما ظهرت لأهل الأرض كسائر المظاهر السماوية ، اللهم إلا لمن طالبوا بها الرسول كآية من آيات الرسالة ، وهم قلة قليلة ممن كانوا بمكة.
هذا ـ إلّا أن زمن الإنشقاق ـ كما يروى ـ لم يكن إلّا يسيرا ، لا يراه الكثير ، إلّا قليل ممن يفحص عن أحوال الكواكب ، في الآفاق التي توافق أفق مكة المكرمة (١) ضرورة اختلاف مطالع القمر باختلاف الآفاق ، والاعتناء بأمر الإرصاد لم يكن بمثابة اليوم ، وبلاد الغرب المعتنية بهذه الشئون نائية عن مكة المكرمة ، وقد كان القمر ـ حين انشق ـ بدرا ، طالعا بعد غروب الشمس ـ ليلة البدر ـ والتأم بعد قليل ، ما يقرّب طلوعه ـ فيما يطلع ـ بسائر الآفاق بعد التئامه ، اللهم إلّا بعضا منها في غير المغرب ، فالذي رآه منهم قد يخطّئ بصره ، إذ يراه خلاف السنة الدائبة الكونية ، أو يقول : لعل فصلا ناعما من السحاب الأسود فصل بين القمر ، أو انه كسف في نصفه (٢) على أن هؤلاء أيضا هم القلة القليلة ، فضلا عن الذي لم يره ، فإن هكذا رؤية نجومية تتطلب أوضاعا وأوقات خاصة ، لم يكن منها الوقت الذي انشق فيه
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ١٢٣ ـ اخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل من طريق مسروق عن ابن مسعود قال : انشق القمر على عهد النبي (ص) فقالت قريش : هذا سحر ابن أبي كبشة ، فقالوا : انتظروا ما يأتيكم به السفار فان محمدا لا يستطيع ان يسحر الناس كلهم فجاء السفار فسألوهم فقالوا : نعم قد رأيناه ، فأنزل الله (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ).
(٢) ويؤيده ، أخرجه الطبراني وابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : كسف القمر على عهد رسول الله (ص) فقالوا : سحر القمر ـ أقول تعبير الكسوف عن الإنشقاق مما يقرب احتمال الكسوف عن واقع الانشقاق ، فلعل الذي رآه من غير المنتظرين ظن انه كسف فما نقله لان الكسوف مهما كان هو أمر متكرر غير غريب.