أقول : المعراج ، حسب المستفاد من آيات الإسراء والنجم في وجه (١) ، له رحلتان : الرحلة الأرضية ، والرحلة الفضائية في العمق ، فالاولى هي سري النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى ، والثانية عروجه من المسجد الأقصى الى أقصى الآفاق ، وكما يوحي بهما ايضا «نبوئت هيلد» في النص الانقلوسي : «وأريل كسها» «.. ان محمدا سوف يذهب ويطير» فذهابه سرية ، وطيرانه عروجه.
ثم لا ريب ان الرحلة الفضائية المعراجية بمقدماتها وخلفياتها ، إنها من المعجزات ، ورغم عجز العلم عن تحقيق عملية الإعجاز وعن تفهمها ايضا ، فمن الثابت أن المعجزة لا تنافي العلم ، فقد يفسرها العلم ، وقد يعجز عن تفسيرها ، إلا انه لا يحيلها ، فان الآية المعجزة ليست لتخرق وتبطل القوانين الكونية ـ ما وصل العلم إليها وما لم يصل ـ وانما تخترق ـ مطلة عليها ـ أسبابها الخفية ، ومدى تأثيراتها ، وزمن الحصول على مفعولاتها ، لحد يعجز عنها من سوى الله ، إلا من يجريها الله على يديه او لسانه ام ماذا .. كآية تدل على انه رسول من الله.
فالآية المعجزة ليست بلا أسباب ، او بما تقصر عن التسبب ، وانما بأسباب خفية عن العلم ، او ظاهرة له بعيدة عن القدرة غير الإلهية ، او انها بارادة مسبب الأسباب ، دون اسباب تعودناها ، فليس إذا بامكاننا تحليل عواملها ، مهما تمكننا من تحليل كيفية وقوعها ، او امكانيتها علميا ، وقد لا نتمكن من الحصول على الإمكانية العلمية ، ولكنه ليس ليدل على عدم الإمكانية الواقعية او العقلية.
لقد كانت الهيئة البطليموسية تحيل المعراج الجسماني لاستلزامه الخرق والالتيام ، إذ كانت تعتبر الأرض مركزا للكون ، والفضاء الخارجي أفلاكا زجاجية مركبة من طبقات تسع ، سبعة منها مدارات خاصة للسيارات السبع التي تنزلق داخلها كما تنزلق الكرة على صفحة الزجاج ، واما الفلك الثامن فكان مسرحا للنجوم الثوابت ، بينما كان الفلك التاسع خاليا عن النجوم.
__________________
(١) أن يكون المسجد الأقصى هو الذي في القدس.