هكذا مرتين : (١) فلكل نزلة عروج ، وعلّ الرؤية هنا وهناك كانت بين النزلة والعروج ، حينما كانت المعرفة بالغة الذروة ، والتدلي إلى النهاية ، .. ولماذا عند النزلة؟ إذ هي النهاية في سير المعراج فهي أعلى المعراج ، ولأن النزلة قد تعني نزوله عن كافة الإنيات ، وخروجه عن جميع الحجابات ، ولحد الصفر واللاشيء ، إذ يترك وراءه كل شيء ، فلا يرى أي شيء ، وإنما يرى خالق كل شيء ، وقد أصبح بتمامه عينا وبصيرة ، فرآه في هذه النزلة وبين منتهى المعراج ومبتدء النزول ، رآه كما يمكن أن يراه.
وترى أين رآه؟ ـ لو صح هنا ـ «أين»؟ وهل إن الرؤيتين هما في مقام واحد؟ ... إنه رآه (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى. عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى).
فهناك أفق أعلى ، ثم دنو ، ثم تدل ، ثم وحي ، وبهذا الأخير تتم الرؤية عند سدرة المنتهى وما فوقها ، فما هي السدرة؟ وما هو منتهاها؟ وما هي غشاءها؟.
قد توحي (عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) ان سدرة المنتهى فوقها ، أو تحيط بها ، وإلّا فلما ذا لم يقل «عند الجنة المأوى»؟ .. فهذه العندية توحي تماما بما استوحيناه.
فقد وصل الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو حي لم يمت ، وصل إلى أشرف وأعلى من الجنة المأوى ، وهنالك ليس إلّا مقام صاحب المعراج ، إذ تركه صاحبه جبرئيل عند سدرة المنتهى قائلا : «يا محمد! إن هذا موقفي الذي وضعني الله عز وجل فيه ، ولن أقدر على أن أتقدمه ، ولكن امض أنت أمامك إلى السدرة فقف عندها ،
__________________
(١) كما في أحاديث عدة ، مثل ما مضى عن الصادق (ع) في جواب أبي بصير عن قوله : كم عرج برسول الله (ص)؟ فقال : مرتين.