فكيف لخلقه أن يوصف بما وصف به الله ، وهذا من الإلحاد في أسماء الله (وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ).
٨ ـ ثم الذي دنى اليه الرسول فتدلى ، فكان منه قاب قوسين أو أدنى ، ليس هو جبرئيل حتى يكون هو أيضا شديد القوى ، إذ لم يكن لجبرئيل في عمق المعراج مجال. ولا أن لدنو الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم إليه كمال ، كما وأن مقام أو أدنى مع غير الله ضلال ومجال ، لأنه فناء ولا يجوز أو لا يمكن الفناء في غير الله ، وإنما هو الله ، المدنو منه والمتدلى به في مجال المعرفة لا المجاورة.
٩ ـ ثم جبرئيل كان الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم يراه بعينه وهو في الأرض بصورة دحية الكلبي أم سواه ، دون أن يراه بفؤاده فقط وهو بالأفق الأعلى (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) ولم يماره أحد في دعوى رؤيته جبرئيل ، فما كان موضوع النبوة بالرؤية حتى يكذبوه فيها ، وإنما في ادعاء رؤية الله ببصيرة القلب ونور اليقين (أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى)؟ ، ثم وماذا يكسب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم من رؤية جبريل ببصره أم بصيرته ، وهو (ع) دوما كان يتشرف بحضرته صلّى الله عليه وآله وسلّم وينزل بالوحي على قلبه (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ).
١٠ ـ ثم القسمة الضيزى : الظالمة ، ليست في نكران رؤية جبرئيل ، في حين أنهم يرون اللات والعزى ، ومناة الثالثة الأخرى ، وإنما هي بين ربه وأربابهم ، انهم يرونهم كما يمكن ، وهو لا يرى ربه كما يتمكن ، ولم يكن جبرئيل في وقت من الأوقات موضوع الرسالة ، ومدار النفي والإثبات ، ولا يثبت له كيان إلّا بعد ثبات الرسالة ، فما ذا يفيد الإصرار في أنه علمه الوحي ، وأنه رآه! وتلك عشرة كاملة تحيل أن يكون شديد القوى هو جبرئيل.
إذا فلا موقع لجبرئيل في هذه الآيات المعراجية ، ولا قيد شعرة ، ولا سيما أنها تركز على القرآن المحكم ، الذي كان نزوله عليه صلّى الله عليه وآله وسلّم دون وسيط ، ولا تلمح هذه الآيات إلى جبرئيل أبدا ، إذا فشديد القوى هو الله.