آمنوا : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) (١٦ : ١٠٢) وإنما يحصل بالتنزيل النزول التدريجي : الوحي المفصل ، لا لحاجة الرسول إلى الوسيط ، كيف ولم يحتج إليه في الوحي المجمل إذ عرج به إلى العرش! وإنما لتثبيت الذين آمنوا على أنه بشر رسول ، فلا يقولوا فيه ما قيل المسيح (ع).
ترى أن الوسيط في رسالة إلى رسول ـ وإن كان يعلم شيئا منها أو يعلمها كلها ـ هل أنه معلم للرسول؟ أم رسول إلى الرسول ، ثم لكل كيانه ، فقد يكون الوسيط أدنى من الرسول كجبريل بالنسبة لمحمد صلّى الله عليه وآله وسلّم وقد يكون أعلى ، كالرسول بالنسبة للمرسل إليهم أجمع ، وقد يكونان على سواء ، وكما قد لا يعرف الوسيط شيئا عما أرسل به ، فليكن شديد القوى هو الله لا جبرئيل.
ثم لو كان جبرئيل كمعلم للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم! شديد القوى ، فهلّا يكون الله أيضا شديد القوى؟ وهذه تسوية بين الله وخلقه في القوى ، والكل بجنبه ضعفاء فقراء أخفّاء ، اللهم إلّا «ذو (قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ، مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) سواء أفسرته بمحمد الأمين وهو الحق ، أم فسّرته بجبريل الأمين وليس به (١) ولو كان ، فكيف هو مرة شديد القوى كما الله ، وأخرى ذو قوة كعبد الله ، وبينهما من البون ما ترى!.
٧ ـ ونرى في أحاديثنا أن الله تعالى يوصف بشديد القوى دون خلقه (٢)
__________________
(١) راجع ج ٣٠ ص ١٦٧ ـ الفرقان في تفسير الآيات «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ ..».
(٢) علي بن ابراهيم القمي في تفسيره نقلا عن الامام (ع) (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) يعني الله عز وجل. وفي نهج البلاغة مثله ، وفي دعاء الندبة «فأغث يا غياث المستغيثين عبيدك المبتلى واره سيده يا شديد القوى». وفي دعاء آخر «يا شديد القوى ويا شديد المحال».
هذا ولم يوجد وصف غير الله ـ جبرئيل أم سواه ـ بهذا الوصف في اي حديث إطلاقا ـ اللهم إلا في أقاويل جماعة من المفسرين دون اي برهان.