ومن ثم وبعد أن خفت وطأة الاعذار في الربوبية والرسالة ، او زالت ، هل هناك ثقل آخر يثقلهم عن تصديق الرسول كسؤال الأجر؟ :
(أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ)؟.
الغرم ما ينوب الإنسان في ماله او ماله ، من ضرر لغير جناية منه او خيانة ، والمغرم مصدر ميمى تعني الغرم نفسه.
فطالما لم يكن هناك غرم فطري ولا فكري ولا عقلي يثقلهم عن تصديقك ، فهل هنالك غرم مادي لأنك تسألهم أجر الرسالة ، فهو يثقلهم فيثاقلوا عنك؟! كلا : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ) (٦ : ٩٠) ف (اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (٣٦ : ٢١) إذ لا عائق معنويا كالضلال ، ولا ماديا كالأجر ، فما لكم لا تؤمنون!.
ولئن سئلنا : كيف لم يسأل أجرا وقد سأل أكبر الأجر : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٤٢ : ٢٣) وقد يكلف جلب المودة في قربى الإنسان أموالا طائلة؟ فالجواب : إنه ليس في الواقع أجرا يرجع لصالح المأجور وان أتي بلفظ الأجر ، فانه يرجع لصالح المسؤل دون السائل : (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) (٣٤ : ٤٧) فان المودة في القربى من السبل الى الله : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) (٢٥ : ٥٧) فهؤلاء القربى الذين جعلت مودتهم كأنها أجر الرسالة إنهم يقربونهم الى الله زلفى ، فمودتهم مودة للرسول ومودة لله ، وهم استمرارية للرسالة الإسلامية لأنهم السبل الى الله كخلفاء للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فليس الرسول ممن يدخل مودة قرباه في مصالح رسالته لحد الأجر لأنهم قرباه ، وانما لأنهم يمثلونه في رسالته ، فمن شاء أن يتخذ الى ربه سبيلا هي استمرارية السبيل المحمدية الى الله ، فالرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم يسأله المودة في قرباه فحسب ، لهذه الغاية الراجعة لصالح المسلمين.