في عداد خطب المرسلين ، فانه الأمر العظيم الذي يكثر فيه التخاطب ، ما يوحي بأنهم أكثروا معه الحوار ليهيئوا الجو لبيان أمرهم العظيم : (وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) وعلّه بداية الحوار ، فلتستكن نفس الخليل بما أرسل به المرسلون عن الجليل.
فقد زال عنه روع اوّل ، ثم ابتلي بروع ثان أروع هي قصة العذاب على قوم لوط (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ. إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) (١١ : ٧٥) مما يدل أنهم بدؤا بتعريف أنفسهم ، ثم البشارة ، ثم الحوار مقدمة الخطب ، ثم التصريح بالخطب إذ سألهم :
(قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ. قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) : وهم قوم لوط ، ترى ما هو الدافع لاطلاع إبراهيم بهذا الخطب ، ورسالة العذاب كانت على قوم لوط؟! لان ابراهيم كان رسولا على لوط والنبيين معه وبعده الى موسى ، فحفاظا على كرامة القيادة العليا الرسالية ، لا بد وان يبدأ له بما يراد للقيادات الجزئية ، وعلى الأقدام.
(لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ. مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ) :
ترى ما هو دور ابراهيم في هذا الإنذار بعد الاستبشار؟ هل يسكت راضيا عن تعذيبهم مهما كانوا مجرمين ، وبعد ان رضي الله وأراد؟ ام يغتنم الالتماس ، لعلّ الله يستجيب له لأنه ليست ارادة حتم؟ .. إنه يجادل ربه فيهم بالحسنى التماس العفو وتأخير العذاب : (يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) فحلمه يدفعه الى الجدال ، ولكنه بعد ان يعرف حتم الارادة الالهية فأوّاه منيب ، حليم عن المجرمين ما دام الأمل ، أواب منيب الى الله إذا زال الأمل : (يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) (١١ : ٧٦) كما ونجد نفس الحلم في لوط : (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ) (٧٧) إلا بعد ما تبين له كما تبين لإبراهيم من قبل ، وهكذا يكون دور الرسالات مع الأمم المتخلفة ، حنونة